الرأي

داير العوض؟

 

احمد الفكي

كلنا يعرف ويحكي بروايات مختلفة قصة الرجل السوداني الذي حاول وظل يحاول ان يعلم ابنه اللغة الانجليزية. ولان الابن غير راغب في التعلم وتحايل على كل المعلمين المحليين، جلب الاب المقتدر “خواجة عديل كدا” وقرر ان يغلقه مع ابنه في غرفة واحدة ولا يسمح لا للابن ولا للخواجة بمغادرة الغرفة. بل يقال انه كان يناولهم الطعام بالشباك. ولعل الهدف من هذه الاجراءات هي ضمان تعلم الابن للغة الانجليزية ان لم يكن اجادته التامة لها.

وللاب الف عذر عندما قرر ان الوجود مع الخواجة بين اربعة حيطان وعدم مغادرة الغرفة جسديًا كفيل بان يتعلم ابنه اللغة الانجليزية. ولكن وبعد فترة ليست بالقصيرة طرق الاب على باب الغرفة وكله عشم ان يتاكد من تعلم ابنه للغة الانجليزية، ولكنه فوجئ بالخواجة يرد على الباب وبسودانية فصيحة “داير العوض؟”

وحتى لا نتعمق كثيرا في هذه القصة الشعبية القصيرة جدا وذات المغزى المهم اود ان اربطها بثورتنا، ثورة ديسمبر المجيدة، وكيف تتعامل معها احزابنا وكيف تتعلم او لا تتعلم منها.

لقد تمكن شباب اعزل معظمه بلا ايديولوجيات اسلامية او ماركسية من اسقاط احد اعتى الاحزاب الايديولوجية التي تتسلح بسلاح الهوس الديني وتستخدم البطش العسكري. وهي ملحمة اسقاط تذكرني بكمية لا يستهان بها من الشركات الصغيرة في بداية الثورة الصناعية الثالثة والتي يمتلكها شباب صغار يفكرون بطريقة مختلفة تغير قواعد اللعبة وترمي بشركات كبيرة تمتلك البلايين والملايين في مزبلة التاريخ. التشبيه لا يقف هنا ولكنه يمتد الى كيفية تعامل هذه الشركات العجوز مع القادمين الجدد. لقد اشترت بعض هذه الشركات العجوز الشركات الصغيرة، وقامت بقتلها بعد امتلاك منتجاتها. اي انها لم تتعلم درسا واحد من طريقة عمل القادمين الجدد. لقد ظنت هذه الشركات ان قتل الشركات الصغيرة وامتلاك ما تنتجه لا طريقة عملها الجديدة كفيل بقفل ابواب المستقبل وانهاء الازعاج الذي يسببه القادمون الجدد. بل ظنت وبعض الظن اثم ان سر قوة القادم الجديد هو استخدام التكنولوجيا وتوظيف الشباب الذين ولدوا من رحم ذاك العصر المجنون الذي يعيشون فيه.

ولعل انصع مثال هو مكتبة بوردرز والتي كانت بمثابة الجدة لشركة امازون والتي كانت قادما جديدا حتى العام ٢٠٠٦. لقد كان رد شركة بوردرز متاخرا جدا وقاتلا في نفس الوقت. لقد ظنت ان سر نجاح امازون هو انها تبيع الكتب على الانترنت فأوكلت امر بيع كتبها لامازون وظنت انها امنة من شر امازون. ولكن امازون وفي العام ٢٠٠٧ اتت بالكندل والذي يمكن القارئ من انزال الكتاب مباشرة الى جهازه ويبدا القراءة في دقائق مباشرة بعد الشراء.

الخطأ القاتل الذي ارتكبته بوردرز لا يقل خطورة عن خطأً من يشترون الشركات الصغيرة ويقومون بقتلها بعد امتلاك منتجاتها. باعطاء امازون الفرصة لتبيع لها كتبها حرمت بوردرز نفسها وإلى الأبد من التعلم ومن الاحتكاك اليومي بجماهيرها لتتعلم منهم.

اتذكر العوض وقصص الشركات الرشيقة، شركات الثورة الصناعية الثالثة او الرابعة وصراع الشركات البيروقراطية التي فقدت عروقها ابسط قدر من الابداع والمقدرة على التجريب والابتكار. اتذكرها عندما اشاهد السعي المحموم من احزابنا وخاصة الحزب الشيوعي للاستيلاء على لجان المقاومة وعلي تجمع المهنيين. ولعل هذا يبدو اكثر وضوحا في اختطاف تجمع المهنيين الذي لم تتعلم احزابنا منه سر قوة الثورة وسر مقدرتها علي اسقاط المخلوع بوحدتها وتماسكها ومقدرتها على العمل بطريقة مختلفة ليس جزءا من الحمض النووي لهذه الاحزاب وهي لا شك تحتاج الى صرامة وجدية لتعلم التواضع والشفافية والمقدرة على العمل مع الاخرين.

ليتنا نتوقف عن الهجوم على منظمات الثورة والسعي المحموم للسيطرة عليها. وليتنا نتعلم منها الدروس المهمة والتي ستمكننا من العمل سويا والاختلاف بلا شيطنة واقصاء للاخرين.

السيطرة على هذه المنظمات سواء اكان تجمع المهنيين او لجان المقاومة وجعلها جزءا من اليات الصراع على السلطة سيخنق انفاس الثورة ويفقدها المقدرة على التحليق لتحقيق الديمقراطية التي تليق بشعبنا.

“داير العوض” هي الصرخة التي سيسمعها شعبنا عندما يحاول مخاطبة هذه المنظمات ويسمع منها لغة الثورة وطموحها ورحابة افقها وسعة صدرها.

ولعل هذا ما حدث اخيرا من تجمع المهنيين الذي لم يتعلم منه الحزب الذي قام باختطافه طريقة العمل المختلفة والذهنية المختلفة، بل جعله يصرخ في وجه الشارع “داير العوض”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى