الرأي

بيان البرهان

مامون محمود بخاري

طالعنا البرهان ببيان مفاجئ أعلن فيه انسحاب القوات المسلّحة من الحوار الذي ترعاه الآلية الثلاثية وأنه يترك التفاوض للقوى المدنية للاتفاق على تشكيل حكومة كفاءات وطنية ووعد فيه بحل مجلس السيادة بمجرد تشكيل الحكومة وتشكيل مجلس أعلى للقوات المسلّحة يتولّى الاشراف على مسائل الأمن والدفاع على ان يتم الاتفاق على اختصاصات المجلس المذكور مع الحكومة المشكّلة.

قبل ان ندلف الى التعليق على بيان البرهان ينبغي ان نوضح ان البرهان قد أصدر بيانه ذاك باعتباره رئيساً لمجلس السيادة وقائداً عاماً للقوات المسلحة. سبق ان قلنا مراراً وتكراراً انه ووفقاً لقانون القوات المسلّحة البرهان ليس قائداً عاماً للجيش ولا يستقيم ان يكون قائداً اعلى وقائداً عاماً للقوات المسلحة في آن واحد إضافة الى ان القائد العام للقوات المسلحة يعمل تحت امرة وزير الدفاع الذي يعمل تحت امرة رئيس الوزراء. رئيس مجلس السيادة ليس لديه أي صلاحيات منفردة فهو فرد واحد من خمسة عشر فرداً يشكلون مجلس السيادة وله صوت واحد، وميزته الوحيدة انه يترأس اجتماعات المجلس ويوقع على القرارات التي يصدرها المجلس بموجب تفويض خاص. لذلك فإن البرهان ليس لديه أي صفة قانونية يصدر بها قراراته التي أصدرها عدا رئاسته للانقلاب وفرض الامر الواقع.

البرهان يدعو عدد من الأطراف للحوار فيما بينهم، فما الذي كان يمنعه من تركهم يفعلون ذلك قبل تسعة أشهر وقبل كل الخراب والدمار الذي احدثه بالبلاد؟ وحتى دعواه للحوار هذه دعوة مفخخة إذ انها تغض النظر عن الكثير من الأمور. البرهان ساوى بين ثوار ديسمبر وشعبها السوداني الابي الذي قدّم التضحيات الغالية ودم الشهداء فلذات اكباده الذين رووا شوارع الخرطوم وبقية مدن السودان بدمائهم الزكيّة الطاهرة والذين خرجوا الى شوارع السودان منذ فجر الخامس والعشرين من أكتوبر ولم يعودوا حتى الآن، ساوى بين هؤلاء وبين محتالي الموز من حركات مسلّحة ومن والاهم واختبأ خلفهم من فلول النظام السابق في ازدراء واضح لثوار ديسمبر فالحركات المسلّحة وقادتها هم من اقاموا اعتصام الموز بالتواطؤ مع العسكر وفلول النظام السابق وهم من دعا على الملأ لحل الحكومة وهم من هتفوا، بقادة التوم هجو، “الليلة ما بنرجع إلا البيان يطلع” وهو امر سجل وموثّق مهما حاولوا تحريف تفسيره. وفلول النظام السابق الذين تحالفوا مع نظام الإنقاذ وعملوا معه حتى سقطوا معه، فكيف للبرهان أن يطلب اجتماع الثوار مع هؤلاء وهؤلاء ممن يسعون للمناصب والكراسي مثلما تفعل الحركات المسلّحة منذ نجاح ثورة ديسمبر في اقتلاع نظام الجبهة القومية الإسلامية وحلفائها.

ما غض البرهان النظر عنه ولم يوضحه هو الأساس الذي تقوم عليه المفاوضات والمشاورات وتشكيل الحكومة. البرهان قام، عند انقلابه على النظام الدستوري، بتعطيل نصوص الوثيقة الدستورية التي يتم تشكيل مجلس الوزراء وفقاً لها ولم يراجع ذلك منذ ذلك التاريخ، عليه وبفرض قبول لجان المقاومة والحرية والتغيير لما جاء ببيان البرهان هذا، فلن يكون هنالك أساس دستوري لتشكيل الحكومة اولاً وسوف يكون البرهان هو من شكّل وعيّن هذه الحكومة وان له سلطة حلها. الامر الآخر هو ما هي السلطة التي تراقب أداء اهذه الحكومة وتفرض عليها مراجعة قراراتها وعلى أي أساس؟ هل يشرف عليها البرهان كما تم الاتفاق عليه بينه وبين حمدوك؟

رئيس الوزراء المستقيل د. حمدوك

جاء في بيان البرهان انه وبمجرد تشكيل الحكومة سوف يقوم بحل مجلس السيادة. مجلس السيادة الحالي قطعاً ليس شرعياً لان تعيينه قد جاء مخالفاً للوثيقة الدستورية الحاكمة الا ان البرهان وعد في بيانه بان يقوم منفرداً بحل مجلس السيادة وذلك لعمري هو الدكتاتورية بعينها، فإن سلّمنا بان الأعضاء المدنيين الخمسة الذين تم تعيينهم في المجلس عقب الانقلاب ليسوا سوى بيادق شطرنج اتى بهم البرهان لتحقيق مطالبه “وبالدارجي تمومة جرتق” لا يستشارون ولا رأي لهم ولا قرار ولذلك فإنه يتم الاستغناء عنهم بمثلما تم تعيينهم و”سعيكم مشكور”. إن كانت هذه حكاية الأعضاء الخمسة وسادستهم رجاء نيكولا التي خذلت الشعب السوداني وطائفتها التي سعى الشعب السوداني لتكريمها بتعيينها في هذا الموقع، فما بال أعضاء الحركات المسلّحة الذين ارغوا وازبدوا وهدّدوا الشعب السوداني بالويل والثبور وعظائم الأمور ووصف عقار الثوار بالإرهابيين وهدّد الآخرون بالذهاب الى الغابة ان اتفقت قوى الحرية والتغيير مع المكون العسكري، ها هو البرهان يعلن طوعاً انه سوف يقوم بحل مجلس السيادة منفرداً، فما هو موقفهم من اهم خروقات اتفاقية جوبا؟ وبالحديث عن اتفاقية جوبا، كيف ستتعامل الحركات المسلّحة مع مجلس الوزراء المقترح؟ هل ستطلب تعيين جبريل وجماعته في وزارة المالية وبقية الوزارات ام انهم سيرضون “بما قسم الله لهم” ويثبتون ما كنا نقوله دوماً ان هذه الحركات لا يهمها السودان او الحكم الديمقراطي الراشد وانهم يدورون مع العسكر أينما داروا البرهان كالعادة القى قنبلته ومضى في حال سبيله لا يلوي على شيء.

البرهان اخيراً قرّر ان يقوم بتشكيل مجلس امن ودفاع تنتقل اليه “القوات المسلّحة”، وفي الحقيقة يعني انه سوف ينتقل اليه هو وبقية أعضاء المكون العسكري، فالقوات المسلحة التي استقوت على الشعب السوداني بالبرهان ووجهت بنادقها نحو صدور أبنائه وشاركت في قتلتهم فخسرت الشعب السوداني وخرجت من قلبه خسرت الرهان الآن. تم جمعها والدعم السريع في سلّة واحدة تحت امرة البرهان وحميدتي. ما يهم الشعب السوداني هو ما هي علاقة الحكومة المدنية بهذا المجلس وهل هو مستقل وموازٍ لها ام ان المجلس المعني برئاسة رئيس الوزراء وبالعضوية المعلومة في كل مجالس الدفاع؟ هذا مع استصحاب الفشل المريع الذي صاحب أداء المكون العسكري في ما يلي مسألة الامن والتدهور الذي حدث فيه منذ استلام البرهان للحكم في الحادي عشر من ابريل ٢٠١٩.

بيان البرهان أغفل اهم مطلوبات ثورة ديسمبر، تفكيك تمكين نظام الجبهة الإسلامية القومية، فهو لم يكتفِ بإلغاء قرارات لجنة إزالة التمكين بل أعاد للفلول أموالهم واعادهم للوظائف الحكومية ومكّنهم من جهاز الامن والقوات المسلّحة. البرهان ايضاً يتحدّث عما تبقّى من الفترة الانتقاليّة، كيف يتم حسابها بعد الانقلاب وبعد الخراب والدمار الذي احدثه. البرهان ايضاً لم يأت على ذكر شركات الجيش والامن ولا على اصلاح المنظومة العسكرية.

البرهان اعتبر انه قد انجز مهمته والغرض من الانقلاب بإيقاف تفكيك التمكين والغاء القرارات المتعلقة به وأعاد للمؤتمر الوطني الأموال التي سرقها وأوقف اصلاح المؤسسة العسكرية وايلولة شركاتها لوزارة المالية ومكّن من تهريب أموال المؤتمر الوطني للخارج فلا بأس من قليل من افلات القبضة.

اخيراً نقول ان البرهان لم يفعل أكثر من خلط الأوراق مرة أخرى بدعوته هذه “بالدارجي ساطها” وعلى القوى السياسية ان تقرر كيفية التعامل معها ونقول انه قد آن الأوان للقوى السياسية ان تنظر للأمور بجدية وان توقف التخوين وتتحد لمجابهة هذا الكيان الحربائي المتحوّر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى