الرأي

العلاقة بين الاهتمام بالتعليم الطبي وتنمية القطاع الصحي في السودان

آمال عزالدين التمر
مقدمة
يعرف التعليم الطبي بأنه الدراسة المباشرة التي يدرسها الفرد ليصبح ممارسًا طبيًّا وصحيًّا وذلك بتمليكه المهارات اللازمة وتزويده بالعلوم الطبية للتعامل مع الأمراض والوقاية منها وعلاجها وكيفية التعامل مع المرضى وغيرها من المهارات التي تنهض بالنظام الصحي. وتعرف منظمة الصحة العالمية النظام الصحي على أنه:(مجموع المنظمات والمؤسسات والموارد الرامية أساساً إلى تحسين الصحة. ويحتاج ذلك النظام إلى موظفين وأموال ومعلومات وإمدادات ووسائل نقل واتصال وتوجيهات واتجاهات عامة. ولابد لذلك النظام من توفير خدمات تلبّي الاحتياجات القائمة بأسعار منصفة والسعي، في الوقت ذاته، إلى معاملة الناس على نحو لائق).
ويتكون النظام الصحي في السودان من ثلاث مستويات هي:
1/الرعاية الصحية الأولية، وهي أول مستويات التعامل المباشر مع المريض وتشمل المراكز الصحية الصغيرة والتي تُعنى بتقديم الخدمات الصحية البسيطة للمريض كرعاية الأم الحامل والطفل إضافة إلى تقديم الدعم والإرشاد التوعوي.
2/المستوى الثانوي ويشمل المستشفيات الريفية.
3/المستوى الثالث ويشمل المستشفيات المتخصصة والعامة.
مشاكل النظام الصحي في السودان
ويواجه النظام الصحي هذه الأيام تحديات كبيرة أثقلت كاهله تتعلق ببنيته التحتية والموارد والإمكانيات المتاحة لخدمته وضعف هياكله نتيجة لسوء الإدارة في هياكل القطاع الصحي بصورة عامة، وسوء التخطيط حيث تبنى مستشفيات في بعض المناطق دون الرجوع إلى عمل إحصاءات أو تحليل بيانات عن المنطقة التي بنيت فيها المستشفى، كذلك عدم إدارة الموارد المالية للقطاع الصحي بكفاءة، والتي قد انعكست سلبًا على كل من الكوادر الطبية والصحية العاملة فيه وعلى خدمة المرضى وتلقيهم للعلاج، فارتفعت معدلات الوفيات وارتفعت تكلفة تلقي العلاج والرعاية الصحية المتكاملة، كذلك قلة الكوادر الطبية العاملة في المستشفيات والمراكز الطبية وهجرتهم إلى خارج البلاد نسبة إلى قلة صرف مستحقاتهم المالية وانعدام الأدوات والأجهزة الطبية الضرورية لأداء عملهم.
هذه التحديات تشمل كذلك قطاع التعليم الطبي فهو ذو صلة بالنظام الصحي، إذ أن التعليم الطبي يعد سببًا في تعزيز تنمية القطاع الصحي إذا ما تم الاهتمام به على أكمل وجه، فذلك سيؤدي إلى تعزيز النظام الصحي وفرصته لمجابهة الكوارث الصحية وخدمة المرضى بمختلف حالاتهم المرضية.
التحديات والمشاكل التي تواجه التعليم الطبي في السودان
ولعل أبرز التحديات التي تواجه التعليم الطبي هو افتقار معينات الدراسة العملية في بعض الكليات الطبية كالمشارح والمعامل نسبة إلى سوء توزيع موارد الجامعات المالية مما يؤدي إلى افتقاد الطلاب للممارسة العملية وعدم اكتسابهم للمهارات الكافية التي تعينهم مهنيًا في المستقبل، كذلك من ضمن المشاكل النقص الحاد في أعضاء هيئة التدريس نسبة إلى هجرة الكثير منهم إلى الخارج بسبب ضعف الدخل الذي يتلقونه لقاء عملهم، إضافة إلى عدم الاهتمام بمقرات الكليات الطبية وعدم بنائها بمواصفات تليق بدراسة المجالات الطبية، وكل ذلك يعود إلى سوء التخطيط وعدم إدراك أهمية إيلاء التعليم الطبي الاهتمام الكافي وأهميته في تعزيز وتنمية القطاع الصحي.
كيف يعمل الاهتمام بالتعليم الطبي على تنمية القطاع الصحي؟
يصبح الاهتمام بالتعليم الطبي سببًا كبيرًا في تعزيز وتنمية القطاع الصحي في السودان وفقًا للنقاط التالية:
أولًا: الاهتمام بمعايير القبول في الكليات الطبية لضمان تخريج كادر طبي مؤهل، حيث إن كليات الطب تحدد مقاعد معينة يتنافس عليها جميع الطلاب في السودان ويتم قبول ذوي المعدلات العالية وفقًا لترتيبهم في التقديم للكليات الطبية، فمعايير القبول تستند على نتيجة امتحانات الشهادة الثانوية وإحراز أعلى الدرجات في المواد العلمية (الفيزياء، الكيمياء، الأحياء والرياضيات) وكذلك النسبة المحرزة من قبل الطالب.
وهذا يضمن دخول طلاب قادرين على اكتساب المعارف والمهارات والإلمام بها جيّدًا، فاهتمامهم بالدراسة واكتسابهم للمهارات العملية والمهنية يجعل منهم فيما بعد كوادر طبية وصحية قادرة على التعامل مع المريض والتعامل مع الحالات الطارئة عند حدوثها.
ثانيًا: تطبيق معايير الاعتماد العالمية للكليات الطبية، حيث وضع الاتحاد العالمي للتعليم الطبي WFME عدة معايير لاعتماد الكليات الطبية والوثوق بشهادات خريجي تلك الكليات، منها معايير خاصة بكلية الطب تشمل كلًّا من: الرؤية والمخرجات، المنهج، التقييم، البنية التحتية، الطلاب، أعضاء هيئة التدريس، الإدارة والحوكمة، التطوير المستمر.
فمعيار الرؤية يهدف إلى إنشاء كلية طبية لها رؤيتها الخاصة تجاه المجتمع والنظام الصحي والطبي، فتعمل جاهدة على تخريج كوادر طبية وصحية فاعلة فيه وتكون لهم اليد العليا في تنمية وتحسين النظام الصحي من خلال تنويع أنشطتهم في الكلية وتخريج كادر طبي قادر على نشر الوعي الصحي في المجتمع والتفاعل مع مشكلاته الصحية، ومعيار المخرجات يشمل الطلاب وما تحصلوا عليه من علوم ومهارات تؤهلهم للقيام بوظائفهم بمهنية في الحقل الطبي، كذلك يشمل البحث العلمي الذي يقوم به الطلاب، وتتطلب الأبحاث العلمية إقامة مراكز بحثية لإجراء التجارب كما أن عمل الأبحاث سيساهم في تعزيز وتطوير المنظومة الصحية وذلك بتطبيق نتائج تلك الأبحاث خاصة عند عمل أبحاث تتعلق بالأمراض ومسبباتها أو أثر الأدوية في علاج تلك الأمراض كما يحدث الآن من تطوير لقاح أسترازينيكا – أوكسفورد وذلك بشراكة جامعة أوكسفورد مع شركة أسترازينيكا للقاحات في بريطانيا.
ثم يأتي معيار المنهج الدراسي لكلية الطب والذي يجب أن يكون دقيقًا ومواكبًا للتطورات الحديثة في الحقل الطبي وشاملًا لكافة العلوم الطبية الأساسية والسريرية، كما يجب أن يكون متناسقًا ومرتبًا بحيث يكون لكل مستوى من مستويات الكلية منهج ثابت ومحدد يقومون بدراسته سواء في المستويات الأساسية أو المستويات النهائية.
بعدها معيار التقييم، وهنا يتم قياس مدى معرفة الطالب بالمعرفة والمهارات التي درسها واكتسبها كي يسعى لتطبيقها عند مزاولته المهنة في المستقبل، تتعدد طرق القياس والتقييم ما بين الامتحانات العملية والتحريرية والسريرية وغيرها من طرق التقييم التي تحددها الجامعات.
أما فيما يتعلق بمعيار البنية التحتية فهذا يشمل إقامة مستشفى تعليمي به كافة الأقسام الطبية يقع بالقرب من مبنى الكلية، هذا الأمر يعجل بالاهتمام بالمستشفيات التعليمية الموجودة في السودان وتوفير كافة الأجهزة والمعينات الطبية وتوفير طاقم طبي لهذه المستشفيات إضافة إلى الاهتمام بمراكز الرعاية الأولية، خاصة وأن الاتحاد العالمي قد حدد العام 2023م كأقصى موعد لتوفيق كليات الطب لأوضاعها وتطبيق معايير الاعتماد حتى تناله وإلا فإن خريجي الكليات التي لم تنل الاعتماد لا يستطيعون المنافسة والجلوس لامتحانات المعادلات العالمية كامتحان الزمالة الأمريكية USMLE، وقد يحرمون من مزاولة المهنة خارج بلدانهم.
أما معيار الطلاب فيقصد به أن الكلية بها طلاب يدرسون فيها ولهم أنشطة يمارسونها داخلها، ومن هذه الأنشطة تكوين جسم طلابي يمثل هؤلاء الطلاب ليعبر عن آرائهم وأفكارهم واقتراحاتهم لسير العملية التعليمية والأنشطة غير الأكاديمية، كما أنه يسعى إلى إيجاد حلول لمشاكلهم التي يتعرضون لها خلال مسيرتهم الجامعية، هذا الأمر يسهم كثيرًا في رفع درجة الوعي لدى الطلاب ليكونوا قادة في المجتمع المدني المهتم بالجانب الصحي مثل نقابة الأطباء والمنظمات التي تهتم بصحة المجتمع وغيرها من الأجسام المدنية المساهمة في تعزيز النظام الصحي.
أما معيار أعضاء هيئة التدريس فيقصد به توافر الأساتذة في كافة أقسام الكلية وتدريس المحاضرات في ساعاتها المقررة، ووجود عدد كافٍ منهم للقيام بالإشراف على مرحلة التدريب السريري في المستشفيات لطلاب السنوات الأخيرة، هذا الأمر يساهم في وفرة الأطباء في المستشفيات بمختلف مسمياتهم الوظيفية في كل الأقسام الطبية (عمومي، نائب أخصائي، أخصائي، استشاري) مع العلم أن أستاذ المادة في التدريب السريري يكون أخصائيًا في العادة.
ويقصد بمعيار الإدارة والحوكمة هو قدرة الكلية على إدارة مواردها المالية والبشرية بنفسها وقدرتها على تجاوز المشاكل التي تواجه الكلية وتوفير الحلول لها، وهو المعيار الأساسي الذي تدار به جميع المعايير السابقة، ولذا فإن حدوث التخبط الإداري يسهم في وجود خلل في جميع أركان الكلية من الأساتذة والطلاب ومخرجاتهم وتقييمهم مما ينتج مخرجات ضعيفة لا ترقى لتنمية النظام الصحي وتعمل على زيادة الخلل فيه والعكس صحيح.
أما المعيار الأخير وهو التطوير المستمر فيقصد به تطوير كل ما له علاقة بإنتاج مخرجات جيدة، فيشمل تطوير المنهج ليكون مواكبًا لأحدث التطورات العلمية، وتطوير العملية التعليمية بوسائل حديثة وجلب أجهزة جديدة للمعامل والمشارح وغيرها، وكذلك إجراء البحوث العلمية المواكبة لأحدث ما توصل إليه العلم، هذه الأمور تسهم في تطوير النظام الصحي وجعله مواكبًا لأحدث الوسائل في تشخيص الأمراض، أحدث تجارب اللقاحات وهكذا.
ثالثًا: الاهتمام بالتعليم الطبي يشجع على بناء المدن الطبية والتي تخدم عددًا كبيرًا من المرضى لتلقيهم العلاج بكافة أنواعه، حيث إن هذه المدن تتكون من مستشفيات تعليمية وجامعية تهتم بتأهيلها بالتعاون مع وزارة الصحة كي تقدم الخدمة الطبية المناسبة للمرضى والخدمة التدريبية للطلاب، مما يسهم في توفير وظائف للكوادر الطبية والصحية بمختلف درجاتهم الوظيفية، ويؤدي قيام المدن الطبية مستقبلًا إلى تشجيع السياحة العلاجية في البلاد مما سيسهم في رفع دخل القطاع الصحي لتنميته.
رابعًا: شراكة الكليات الطبية مع الفاعلين في المجال الصحي من المجتمع المدني تساهم في تنمية القطاع الصحي عن طريق توفير الموارد المالية للتدريب السريري وتأهيل المراكز الصحية والمستشفيات، إضافة إلى توفير التمويل اللازم لتطبيق نتائج البحوث في المعامل والمستشفيات ومصانع الأدوية واللقاحات مما يساهم في تلاشي أزمة انعدام الدواء والتحول من الاستيراد إلى الإنتاج والاكتفاء الذاتي ثم إلى التصدير مستقبلًا، وكذلك إجراء البحوث التطويرية للقطاع الصحي وعمل الإحصاءات عند حدوث مشكلة صحية مثل جائحة كورونا أو وباء الكوليرا، هنا تلعب الكليات الطبية دورًا أساسيًّا في خدمة المجتمع وتعزيز النظام الصحي عن طريق عمل إحصاءات عن عدد المصابين والمتعافين والوفيات وكذلك سرعة استجابة المرضى للقاح أو العلاج وعمل أبحاث عن مدى تحمل النظام الصحي لهذه الحالات الطارئة ومن ثم التوصل إلى نتائج تعمل على تعزيز النظام الصحي ورفع كفاءته للتصدي لمثل هذه الكوارث الصحية.
لهذه الأسباب التي ذكرت تسعى جميع الدول لتحسين مؤسسات ووسائل التعليم الطبي لتنعكس إيجابًا على تنمية النظام الصحي حتى لا يمر بالمشاكل ويكون على استعداد وجاهزية تامة عند حدوث أي حالات طوارئ أو كوارث صحية.
الخلاصة
خلاصة القول إن جلّ مشاكل النظام الصحي في السودان يمكن أن تحل عندما يتم الاهتمام بالتعليم الطبي، بالاهتمام بالمنهج الدراسي الطبي يسهم في تخريج كادر طبي مؤهل للقيام بواجبه في جميع الظروف وفي مقدوره مواجهة حالات الطوارئ وفقًا للمهارات التي اكتسبها، وتوفر الأساتذة للتدريب السريري يضمن توفير وظائف للأطباء وبقية الكوادر الطبية في المستشفيات والمراكز الصحية، أما شراكة الكليات الطبية مع المجتمع المدني تضمن حل مشاكل البنية التحتية للمستشفيات والاهتمام بمراكز الرعاية الأولية وقيام أنشطة أخرى مثل التوعية الصحية والأيام والمخيمات العلاجية، أما الاهتمام بالبحث العلمي الطبي وتوفير التمويل الخاص به يضمن تطبيقها والعمل بها خاصة إن كانت أبحاث تتعلق بالأدوية الطبية، فتتبنى الشركات ذلك وتقوم بصنعها وتوفيرها في البلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى