الرأي

الصحافة وخطل المهنية


فى خبر ورد في إحدى الصحف السياسية المرموقة يوم (الثلاثاء الماضي الموافق 22سبتمبر 2020) أفاد بأنه قد اكتمل بصورة نهائية اختيار عضو الحرية والتغيير وتجمع المهنين محمد ناجي الأصم ليشغل منصب وزير الصحة في التشكيل الوزراي القادم وأعلن بأن الخبر قد جاء ضمن تصريح لعضو الحرية والتغيير عن الحزب الشيوعي صديق يوسف ولكن سرعان ما غرد الأصم في صفحته نافيا الخبر كما نقل أيضا نفي (صديق يوسف ) أن يكون قد قام بالتصريح للصحيفة المعنية.
المسألة هنا لا تتعلق بورود الخبر الذي أسرع الطرفان في نفيه حيث أنها ليست المرة الأولى التى يتم فيها نشر خبر يتم نفيه أو التشكيك في دقته ومصداقيته ولكن المسألة تتعلق بنشر هكذا أخبار، ومن المعروف أنه من أبجديات العمل الصحفي أن الأسس التي يبنى عليها الخبر هي المصداقية والدقة في نقله وتبيان مصدره. وهو حقيقة الأمر الذي بتنا نشعر حياله بالقلق حيث أن نشر الأخبار غير الدقيقة (المفبركة) أصبح سمة واضحة زاد حجمها في الآونة الأخيرة خاصة بعد الثورة، ويأتي ذلك في ظل الحريات المتاحة للصحافة والصحفيين أن يدققوا ويتحروا الصدق فيما ينشرونه من أخبار أو يتداولونه من معلومات، أو ما ينقلونه من الأحاديث الصحفية، ولكن على الرغم من أن الوضع قد تغير ولكن ظل السلوك كما هو في عهد النظام البائد في كثير من الأحيان. وقد يكون مرد ذلك يعود لأنه طيلة فترة الحكم البائد والذي استمر ثلاثين عاما كان قد كرس خلالها ثقافة جديدة في الصحافة السودانية ونهجا مختلفا لا شبيه له حتى في ظل الأنظمة الشمولية العسكرية السابقة، حيث أنها استخدمت الصحافة وبعض الصحفيين كأدوات لتمرير أجنداتها السياسية فكان رجال الأمن كثيرا ما يسربون الأخبار الكاذبة والملونة (التي لاتفوت على فطنة الصحفي النزيه) إلى بعض الصحف و الصحفيين بغرض نشرها لمحاربة خصومهم من المعارضين ووسيلة لاغتيال الشخصية والإضرار بالخصوم السياسيين، فأصبحت الصحف في كثير من الأحيان تخوض صراعات بالوكالة ضد المعارضين للنظام السابق وافتقدت المهنية بل أساءت للكثيرين دون وجه حق فأثر ذلك على سمعة الصحافة والصحفيين وطالتهم تهم بالرشى والمحسوبية والفساد وأثر ذلك على مهنة الصحافة بصورة كبيرة وعلى من يمتهنها، وفي ظل التراجع المهني امتد ذلك الأثر فأصبح بعض الصحفيين لا يهتمون كثيرا بمعايير المهنة وأخلاقياتها، تلك التي كانوا قد تعلموها في كليات الإعلام، وأصبحت كثير من هذه الصحف تعمل بصورة شبيهة بصحف الإثارة ولا تهمها المصداقية ولا الشفافية بل أصبحت( الفهلوة) هي منهج فما أن تنطلق شائعة إلا تجد البعض ينسج حولها حكاية كأنها حقيقة مؤكدة، وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي هس المصدر الأساسي لكثير من الصحفيين (الواتساب، الفيس بوك) فتتم عملية البناء والتحليل مستندا على معلومة تم تداولها في وسائل التواصل الاجتماعي والتي سرعان ما ينكشف خطلها ويضع الصحفي والصحيفة في وضع لايحسدون عليه، وفي بعض الأحيان تتعامل بعض هذه الصحف وكأن الأمر لايعنيها وهو نهج غريب ويجافي المهنية، بينما كان فى السابق عند نشر خبر أو معلومة متى ما ثبتت عدم صحتها سرعان ما تسعى الصحيفة إلى نفي ذلك فى نفس المساحة والمكان ولكن ذلك نادرا ما بات يحدث أو قد تعمل به صحف قليلة وبعد أن تخشى من إمكانية تحريك دعوة ضدها وليس لأن خطأ وقع وجب تصويبه بدعوى أنها بذلك تحمي مصداقيتها التي هي أصلا افتقدتها بمجرد نشرها لأخبار ومعلومات غير دقيقة.
والتراجع في الأداء الصحفي وفي أخلاقيات المهنة الذي نلمسه في بعض هذه المؤسسات يعود إلى النهج الذي انتهجه النظام السابق وأجهزته الأمنية التى اعتبرت أن المجال الصحفي هو ملك لها تسيره كما تريد وتمن على الصحفيين بأنها سمحت لهم بممارسة العمل، ونتيجة لذلك ذلك دفعت مهنة الصحافة والصحفيين ثمنا غاليا وتدهورا غير مشهود حيث يعاني الصحفيون من قلة فرص التدريب والأجور الضعيفة وعدم وجود ضمانات وحماية حيث أنهم يعيشون في أوضاع هشة ويفتقدون لنقابة حقيقية تحمي حقوقهم طيلة الفترة الماضية، وذلك بالرغم من وجود اتحاد للصحفيين الذي كان في الأصل صنيعة النظام نفسه وقد كان يوفر الحماية للنظام أكثر مما كان يوفرها للصحفيين الذين كان يتحدث باسمهم. ولازال الوسط الصحفي والصحفيين بسبب سلوك البعض من أفراده يتعرضون للإساءة والتجريح من قبل القراء والمواطنين وطالت كثيرين منهم اتهامات ووصمة وسيحتاجون لوقت طويل وعمل مضني لمحوها من أذهان الناس.
وفى المقابل أيضا لازالت هنالك فرصة سانحة لإثبات أن الصحافة هي رسالة وقيمة مضافة للمجتمع السوداني تحقق في قضايا الفساد وتساهم في نشر الوعي بين المواطنين وذلك سيتأتى عبر إلزام المؤسسات الصحفية بعقد الدورات التدريبية لبناء القدرات وتحسين أوضاع الصحفيين بأجور مناسبة وذلك لتجنبهم الوقوع في براثن الفساد والمفسدين وأصحاب الغرض الذين لن ينتهي وجودهم بسقوط النظام السابق، حتى ننأى بالصحافة والصحفيين من أن يكونوا أداة لصالح البعض ويساعدهم على تحقيق ذلك نقابة صحفيين منتخبة تضع المهنية أساسا لعمل أى صحفي وفقا لميثاق شرف يتم التوافق حوله حينها سنضع صحافتنا وصحفيينا في الاتجاه الصحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى