الرأي

البرهان والتغول على سلطتي رئيس الوزراء ووالي ولاية غرب دارفور (2/2)

 

الصادق علي حسن /المحامي

شعارات اللافتة  المرفوعة باسم تجمع المهنيين (مدانياااا- حرية – سلام وعدالة) كان لها الدور الفاعل في مخاطبة أشواق الشارع السوداني الذي اعتصم، وفي توحده في مواجهة النظام البائد، كما كان لساعة الثورة وضبط خروج مسيراتها التأثير الفعلي المباشر في استجابة المواطنين الذين تراجعت ثقتهم في الأحزاب ودعواتها المتكررة والخائبة للخروج والثورة على النظام البائد، الثقة في اللافتة المرفوعة باسم تجمع المهنيين من دون بحث الشارع عمن يرفعون اللافتة أو من يجلسون تحتها كان سر نجاح الثورة، ولو أن الشارع السوداني عرف وقتذاك بمن يرفعون اللافتة لما نجحت الثورة، نسجت الأساطير حول تجمع المهنيين، وقد كان الشارع السوداني العريض يحتاج فقط لمن يثق فيه، ويوحد كلمته، وقد تراجعت ثقة الشارع في قيادات الأحزاب وقوى المجتمع المدني التي وجدت ذاتها واكتفت بالتصريحات واللقاءات الإعلامية والندوات والأماني، ونجحت الثورة التي لم تكن لها قيادة بالمعني الحقيقي، وتمدد تجمع المهنيين في الفراغ العريض ليملأ الشارع بالشعارات الرنانة، وأهمل التجمع دور النقابات الذي انتحل اسمها، وصارت قيادات تجمع المهنيين همزة الوصل مع العسكر، ولضعف خبرات وتجارب تجمع المهنيين، وتضخم ذوات منسوبيه ضعف ناتجه بتمرير وثيقة دستورية معيبة كان هدف الأحزاب المهرولة اتخاذها سلماً للوصول إلى السلطة، في المقابل عناصر اللجنة الأمنية للنظام البائد المتمرسة على الحيل والألاعيب لم تنحز للشارع، إلا بعد أن تيقنت بأن البشير الذي يهابونه ضعفت قبضته على السلطة، وتسابق المتسابقون من مرؤوسيه ومنهم صلاح قوش ودمبلاب وأبو عوف وكمال عبد المعروف وعلي عثمان طه ونافع وحميدتي وعبد الرحيم دقلو لوراثته، ثم ظهر دور للبرهان والعطا والكباشي وآخرين، لم يكن انحياز أعضاء اللجنة الأمنية للبشير ممن أمسكوا بالسلطة على حساب المجموعات الأخرى من أجل الوفاء باستحقاقات الشارع والثورة، بل للوصول إلى قمة السلطة والسيطرة عليها، لذلك احتفظوا لأنفسهم بمعاونة منسوبي تجمع المهنيين بمسمار جحا الذي يتيح لهم البقاء في دار السلطة من خلال الاستحواذ على حق تعيين وزيري وزارتي الدفاع والداخلية، فالتحكم على الأمن بالبلاد، وقام ما عرف بالمكون العسكري بمجلس السيادة الذي احتفظ لنفسه بمنصب رئاسة مجلس السيادة للدورة الأولى من نصف الفترة الانتقالية باختراع منصب النائب الأول لرئيس مجلس السيادة واحتكره قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، وسكتت تنظيمات قوى الحرية والتغييرالتي ظهرت لها مصالح خفية مع العسكر، وليس هنالك منصب بهذا المسمى في الوثيقة الدستورية، وانقسم تجمع المهنيين  بعد أن عبث وفرط في مكاسب الثورة إلى تجمعين، ثلة صارت مطية للمكون العسكري بمجلس السيادة، وثلة أخرى خرجت تنادي بالإسقاط  التام، وهي لا تبالي أو تدري بعواقب إسقاط حكومة حمدوك من دون تدابير تضمن أيلولة منصب رئيس الوزراء لمدني يخلفه، كما أن إسقاط حكومة حمدوك في ظل الظروف الحالية من دون تدابير لبديل يعني ببساطة أيلولة السلطة لرجال اللجنة الأمنية للنظام البائد، والإطاحة بما تبقى من مكاسب الثورة (نفس الزول) .

البرهان يتمدد :

من حق الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش أن يزور الولايات بأي صفة من صفاته الرسمية، وأن يلتقي بمن يشاء بها، كما زار مؤخراً ولاية غرب دارفور، ولكن ليس من حقه أن يمارس سلطات رئيس مجلس الوزراء التنفيذية في وجود والي الولاية أو في غيابه، لم يكتف البرهان وزملاؤه من المكون العسكري بمجلس السيادة بالتغول على سلطة رئيس مجلس الوزراء واختطاف ملف السلام وملف العلاقات السودانية الإسرائيلية وملفات أخرى عديدة مهمة، بل تمدد البرهان إلى الولايات وفي ولاية غرب دارفور مارس سلطات رئيس الوزراء وتغول على سلطات واليها، وقد يعتقد الفريق أول البرهان رئيس مجلس السيادة أن ممارسة السلطة عنده تظل كما كان عليه الحال في عهد المخلوع، وأنه هو المسؤول الأول في الدولة الذي بيده كل السلطات، ومن حقه أن يمارس السلطة التشريفية والتنفيذية على حد سواء، ومن دون رقيب أوحسيب، ويمارس التشريع من خلال نفوذه على مجلسي السيادة والوزراء في التشريع، ذهب الفريق أول عبد الفتاح رئيس مجلس السيادة إلى الجنينة ليمارس سلطات رئيس السلطة التنفيذية، ولأول مرة نقل له من يمثل أبناء ولاية غرب دارفور وبصورة مباشرة بأن الدولة ضالعة في أحداث المنطقة وأنهم فقدوا الثقة في الحكومة، وأن المنطقة التي انضمت بموجب اتفاقية رضائية وقعت في قيلاني بين سلطانها والحاكم العام الإنجليزي، وكفل لها الحق في تقرير المصير (سلطنة المساليت) أن هنالك أصواتاً عديدة لبعض أبنائها برزت تطالب بحق تقرير المصير، ومثلما هي آخر منطقة انضمت للسودان ستكون أول من تخرج منه بعد انفصال الجنوب، هذه الرسائل المؤسفة ما كان لها أن تبرز لولا وجود الخلل في الممارسة والتغول على السلطات والصلاحيات مثل تغول رئيس مجلس السيادة على سلطات رئيس الوزراء وسيره في ذات نهج ومسارالنظام البائد .

تنظيمات قوى الحرية والتغيير هي من وضعت الوثيقة الدستورية المعيبة وهي المسؤولة عن مآخذ الوثيقة الدستورية وأزمات البلاد المتجددة، وليس رئيس الوزراء د عبد الله حمدوك، كما أن وزارة العدل ووزيرها الدكتور نصر الدين عبد الباري بات يقنن للأوضاع القانونية المعيبة بقانون أسماه بقانون التعديلات المتنوعة، ومن خلال القانون المذكور والمعيب تتم إجازة القوانين من خلال اجتماع مجلسي السيادة والوزراء بصورة تخالف أسس وقواعد التشريع في النظم الانتقالية والديمقراطية.

الآن وبدلاً عن مطالبة الدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء بالرحيل والاستقالة، المطلوب من قوى الحرية والتغييرالشروع أولاً في تكوين المجلس التشريعي الانتقالي ليباشر المجلس التشريعي الانتقالي إجراءات التأسيس الدستوري السليم بإتخاذ القواعد التأسيسة الأربع التي بموجبها نالت البلاد استقلالها مرجعية إجرائية في التأسيس ثم إلغاء النصوص التى تعطي المكون العسكري بمجلس السيادة حق تعيين وزيري الدفاع والداخلية والنص بصورة قاطعة على دور مجلس السيادة التشريفي، ومن المقرر إجراء الانتخابات العامة في السودان وفقاً لأحكام الوثيقة الدستورية مقروءة مع اتفاق سلام جوبا، بالضرورة بعد تكوين المجلس التشريعي الانتقالي، واستعادة سلطة رئيس الوزراء الانتقالي بالكامل أن يشرع المجلس التشريعي الانتقالي في سن قانون لتشكيل جيش مهني قومي وموحد حامي للبلاد، وبعقيدة قتالية وطنية، وما لم يحدث ذلك لن تكون هنالك انتخابات في ظل وجود مليشيات متعددة ومتكاثرة، الجيش القومي يحافظ على وحدة البلاد واستقرارها، ويؤمن قيام انتخابات عامة نزيهة تجد القبول، ومن خلال المجلس التشريعي الانتقالي المكون، وبعد ممارسته للسلطاته  يمكن النظر في المطالبة بذهاب رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك  وإبداله أو مساءلته، مطالبة حمدوك بالذهاب قبل استعادة السلطة الكاملة لرئيس مجلس الوزراء وفي ظل الظروف الحالية حتى ولوذهب بالاستقالة الطوعية سيفتح الباب على مصراعيه لتمكين عناصر اللجنة الأمنية للبشير للقضاء على الديمقراطية الوليدة ومكاسب الثورة قضاءً مبرماً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى