الأخبار

مصابون عالقون وقتلى يدفنون في أماكن عامة.. النظام الصحي السوداني “ينهار”

الديمقراطي- وكالات
فاقمت الاشتباكات في السودان، التي اندلعت في 15 أبريل، الأوضاع الصحية في البلاد. فتوقفت الإمدادات إلى المستشفيات التي لم يوفرها القصف وإطلاق النار وأنهك طاقمها الطبي العالق فيها منذ أيام.
ويمكن التماس الوضع المأساوي من وروايات حصل عليها موقع “الحرة” عن حالات وفاة جراء تعذر وصول سيارة إسعاف لفترة طويلة، ودفن جثث في مكانها بسبب تحللها وعدم قدرة نقلها بسبب القصف وإطلاق النار.
هذا فضلا عن أوضاع وصفت بـ”الكارثية” في مستشفيات بالسودان انقطعت عنها الكهرباء والمياه والأدوية، وانقطعت الدورة العلاجية لمرضاها، وتعذر على الأطباء فيها من الوصول إليها.
الحركة مشلولة
أوضح عضو لجنة الاستشاريين والاختصاصيين وعضو لجنة الأطباء السودانيين، الدكتور علاء الدين نقد، في حديث لموقع “الحرة” أن “الحرب شلت الحركة على الطرقات وانقطع الوصول إلى المستشفيات، فلا الأطباء داخل المراكز الصحية يمكنهم الخروج ولا الذين في منازلهم باستطاعتهم ملاقاة مرضاهم والجرحى في المستشفيات”.
وروى أن ما يزيد المعاناة هو أن الإمدادات الطبية، من معدات وأدوية ولوازم، انقطع وصولها إلى المستشفيات، والأمر عينه بالنسبة للوقود اللازم للتشغيل، وبعض المستشفيات انقطع إمدادها بالكهرباء والماء.
وتابع نقد حديثه قائلا: وكأن كل ذلك لا يكفي حتى طال قصف الطيران بعض المستشفيات عن طريق الخطأ كونها بالقرب من بعض الأهداف العسكرية، لذلك أخليت من المرضى والطاقم الطبي. وبعض المستشفيات بعد الإخلاء قصفت من جديد.
وشرح أن القصف وصل للعنابر وخزانات مياه وأكسجين، وقال: “المستشفى التي أعمل فيها قصف مكان سكن الممرضات بها واحترق بالكامل”.
وقال إنه أمام هذا الواقع لجأ المرضى الهاربين إلى مستشفيات أخرى ومنهم ذهب إلى منزله، ويمكن القول إن هؤلاء كلهم انقطعت دورتهم العلاجية كون أمنهم أهم من حالتهم الصحية.
كارثة كبيرة جدا
وشدد نقد على أن المستشفيات في السودان لا تستوعب هذه الأعداد من المصابين والقتلى، لأن القصف متواصل وإطلاق النار دائر بين الشوارع، هذا فضلا عن أن أعداد المرضى كبيرة جدا.
وأوضح أن في الوقت عينه القتلى والأشلاء منتشرة على الطرقات ولا يتمكن الأهالي ولا الجمعيات من الوصول إليها، وبعض الأهالي لا يمكنهم دفن القتلى.
وقال إن بعد مرور أيام من اندلاع الاشتباكات بدأت الجثث تتحلل في الشوارع، لذلك فإن البلاد أمام كارثة صحية كبيرة جدا في حال لم يتم تدارك التداعيات.
وروى أن الحالات الإنسانية التي نشهدها في السودان قاسية جدا، ومن الأمثلة الصعبة التي علمت بها أن مجموعة من الطلبة في كلية الهندسة بجامعة الخرطوم عالقين بسبب الاشتباكات، كون العنف اندلع في 15 أبريل صباحا وكان يوم عمل طبيعي في البلاد، فأصيب أحدهم (خ.ا) وتوفي جراء تعذر وصول سيارة إسعاف له، ولم يتمكن زملاؤه من الخروج وإيصاله للمستشفى.
وتابع نقد أنه بعد وفاته اتصلوا بأهله لأخذ الإذن بدفنه في فناء الجامعة لأن جثته أخذت تتحلل، ودفنوه في الميدان الغربي بجامعة الخرطوم، وهو ملعب كرة قدم، وهذه عينة من المأساة، فـ”حتى لم يتمكنوا من الوصول إلى المقابر لدفنه!”.
“انهيار النظام الصحي في السودان”
أما بالنسبة إلى الحالات الصحية في المستشفيات التي تحتاج إلى إمدادات خارجية أو السفر للخارج للعلاج، فأشار نقد إلى أن الإمدادات توقفت ولا يوجد أي طريقة الآن لمواصلتها، هذا فضلا عن قصف المطار ومستودعات الوقود فيه الأمر الذي حبس المرضى في البلاد.
“وفي الأصل لا إمكانية لتأمين سيارة إسعاف للجرحى، فكيف الأمر بالنسبة لتأمين السفر للمرضى”، أضاف نقد.
وحسب قوله فإن الإمدادات الطبية توقف وصولها من الشركات إلى المستشفيات، “وناشدنا المنظمات الدولية وأطباء بلا حدود ومنظمة الصحة العالمية وغيرها بتزويدنا بما يتوفر في مخازنهم، لكن خروجهم والوصول إلينا صعب جدا جراء القصف وإطلاق النار والرصاص”.
وروى أنه طبيب جراح ولا يمكنه الوصول إلى المستشفى منذ اليوم لأول لاندلاع الاشتباكات رغم محاولاته المتكررة، قائلا “أعلم أن مرضى كثر بحاجة لي”.
وأوضح أن الأزمة الصحية تدار بشكل مستقل عن وزارة الصحة الرسمية، ونحن نختلف معها لجهة أعداد القتلى. ونؤكد، خلافا لما قالته، أن النظام الصحي انهار في السودان، والمستشفيات ليست قادرة على الاستجابة.
وسبق أن قالت منظمة أطباء بلا حدود في 18 أبريل أنه منذ يوم السبت 15 أبريل، تدور معارك عنيفة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في الخرطوم ومناطق أخرى من السودان، ويقع الكثير من الناس حاليا تحت الحصار، بمن فيهم العاملون في الرعاية الصحية. وتعد الأوضاع صعبة في الأماكن التي يمكننا فيها تقديم الرعاية الصحية، فخلال الساعات الثمانية والأربعين الماضية، استقبلت أطباء بلا حدود ما مجموعه 136 جريحا في المستشفى الذي تدعمه في الفاشر بشمال دارفور، وقد توفي 11 شخصا متأثرين بجراحهم، (حينها).
وفي هذا الصدد، قال منسق مشاريع أطباء بلا حدود في الفاشر، سايرس باي، وقتها إن “أغلبية الجرحى هم من المدنيين الذين كانوا في مرمى النيران، ومن بينهم أطفال كثر، أصيبوا بجروح بالغة الخطورة ولم تكن هناك قدرة على إجراء العمليات الجراحية في هذا المستشفى حتى بعد ظهر يوم السبت.
واضطُرت جميع المستشفيات الأخرى في شمال دارفور إلى إغلاق أبوابها، إما بسبب قربها من المعارك أو لعدم قدرة الطواقم على الوصول إلى المرافق بسبب العنف الدائر، أي أننا لم نجد مكانًا نحيل إليه المرضى لتلقي العلاج.”
مبادرات المجتمع السوداني قوية”
وشرح نقد أن الجمعيات الطبية والمنظمات الإنسانية والنقابات الطبية تساهم في تدارك الأزمة.
وقال: اتخذنا مجموعة من الخطوات مثل:
دمج الأطباء في مجموعة على وسائل التواصل.
تنظيم 3 غرف طوارئ في أم درمان والخرطوم وبحري.
مد الحاجات عن طريق بعض الأزقة للمستشفيات.
إطلاق نداء للأطباء للوصول إلى المستشفيات التي بحاجة، ورغم ذلك يتعذر عليهم في كثير من الأحيان الوصول لاستلام مكان الفرق الأخرى.
وأوضح أن “الكوادر الطبية الموجودة حاليا في السودان هي 115، وأنهكت بسبب طول الوقت”.
ولفت إلى أن “هناك بعض المبادرات من أطباء قدموا بياناتهم كي يتمكن المرضى الذين لديهم أمراض مزمنة من التواصل معهم لنيل الاستشارات، وشكلت لجان من قبيل جمعيات الجهاز الهضمي وجمعيات الأطفال والنساء والتوليد والأورام، وشكلت أيضل مجموعات الصيادلة”.
وختم حديثه أن “من المعروف أن المجتمع السوداني أقوى من الدولة”.
دعوة للهدنة
يذكر أن الأمم المتحدة دعت، الخميس، إلى هدنة في السودان “لمدة 3 أيام على الأقل” بمناسبة عيد الفطر لإتاحة متنفس للسودانيين الرازحين تحت وطأة معارك محتدمة بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو.
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في أعقاب اجتماع افتراضي مع مسؤولين من الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية ومنظمات إقليمية أخرى، طرفي القتال في السودان إلى التزام هدنة “لمدة 3 أيام على الأقل” لمناسبة عيد الفطر الذي يحتفل به السودانيون الجمعة.
ومساء الخميس أعلن مجمع الفقه السوداني أن “يوم الجمعة هو أول أيام عيد الفطر”.
وأعلنت منظمة الصحة العالمية أن نحو 413 شخصا قتلوا في السودان وأصيب 3551 آخرون منذ اندلاع المواجهات المسلحة.
وفي الخرطوم البالغ عدد سكانها أكثر من خمسة ملايين نسمة، تسرع العائلات بالخروج إلى الطرق والفرار هربا من الغارات الجوية والرشقات النارية والمعارك في الشوارع.
وقال أحد النازحين الذين فروا من العاصمة بحثا عن مكان أكثر أمانا لفرانس برس “رائحة الموت والجثث تخيم على بعض أحياء وسط العاصمة”.
على بعد عشرات الكيلومترات من العاصمة، تستمر الحياة بشكل طبيعي وتفتح المنازل لاستقبال النازحين الذين يصلون في حالة صدمة، بسياراتهم أو مشيا لساعات على الأقدام مع ارتفاع سعر البنزين إلى عشرة دولارات لليتر الواحد في أحد أفقر بلدان العالم، حسب فرانس برس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى