الرأي

لن ينجح الانتقال بالأقليات وحدها

الحاج وراق

  • تؤكد حسابات الحقل اننا في أزمة .
  • لكن للسلطة سكرتها . يقول الذين عبوا مؤخراً من كاساتها ان الأوضاع على ما يرام مادامت دول كالامارات والسعودية ومصر إضافة للدول الغربية وإسرائيل تدعم السلطات الانتقالية ، وحقاً هذا دعم مهم ، لكنه غير كافِ ولا يصلح بديلاً عن الدعم الشعبي الداخلي ، و ربما يحتاج سكارى السلطة للتذكير بأن عبود ونميري كليهما كانا يتمتعان بالدعم الاقليمي والدولي ومع ذلك سقطا بتآكل قاعدتيهما الاجتماعية ، ومن حسنات الدعم الغربي تحديداً انه غالبا ما ينسحب حين يتحقق من تبخر التأييد الشعبي المحلي.
  • العامل الحاسم للنجاح اتساع القاعدة الاجتماعية المناصرة للانتقال ، لكن سكارى السلطة المحدثين يرون فى انفسهم كفاية وزيادة . يقولون بأن حزب الأمة غير مهم لأنه فقد تأييده وسط الشارع ، والشيوعيون غير مهمين لأنهم أقلية ، والحلو غير مهم لأنه متحصن في كاودا فلن يضر شيئا، وعبد الواحد غير مهم لأن قواته لن تبارح جبل مرة.. والقيادات الأهلية والقبلية غير مهمة لأنها (متخلفة) أو مرتبطة بالنظام البائد! وهكذا كل الأطراف الرئيسية غيرهم ليست مهمة لسبب من الأسباب!!.
  • مثل هذا الاستكبار الذي يستخف بالآخرين كان أحد أهم سمات فاشية الانقاذ وأودى بها في النهاية إلى مستقرها الطبيعي .
  • خذ القطاع الحديث ، حيث مستقر السلطة المركزية ، تجد التيارات الرئيسية للقوى الحديثة إما خارج العملية السياسية الحالية أو معارضة لها .

وتتشكل القوى الحديثة من تيارات رئيسية ، اولها القوى الديمقراطية غير الحزبية، وتعبر عنها لحدود كبيرة منظمات المجتمع المدني وهيئات المهنيين ولجان المقاومة، لكن ما من رمز معروف من رموز المجتمع المدنى او القوى الشبابية الثورية الا وهو خارج هيئات الحرية والتغيير والسلطات الانتقالية ، واذ نصبت شلل مغلقة ومحدودة من نفسها ممثلاً لهم ، يعرف القاصي والداني انه تمثيل زائف . وكان العشم ان يعبر حمدوك عن هذه القوى لكنه انكفأ ولا يزال منكفئاً عنها. وبالنتيجة فان تيارا يشكل مستودعا لاهم كفاءات البلاد يجد نفسه مغتربا عن هيئات الانتقال.

وأما التيار الرئيسي الثاني فهو تيار الاسلاميين- موجودون في القطاع الحديث ويستخدمون فى غالبيتهم الأساليب الحديثة ضد الحداثة ، اى قوى حديثة فى ذاتها وغير حديثة فى اهدافها- ورغم انه من الطبيعي استبعاد مجموعات هذا التيار المرتبطة بالفساد والانتهاكات والتي لا تزال تراهن على الانقلابات العسكرية ، أو تلك التي لم تجري المراجعات الفكرية الفقهية اللازمة لقبول الديمقراطية وحقوق الانسان ، الا ان هناك في المقابل مجموعة قابلة للتحول لكنها ارتدت على أعقابها من عدم الاستعداد لاستيعابها ضمن العملية السياسية.

والتيار الرئيسي الثالث وسط القوى الحديثة الشيوعيون ، ورغم وجودهم فى هياكل (ق ح ت) لكنم يشعرون بازمتها ويمكن تصنيفهم كمعارضين حيث يساهمون في تنظيم الاحتجاجات الأكثر اقلاقاً للسلطة الانتقالية .

  • وأما في الريف والقطاع التقليدي فلم تبتدع السلطات الانتقالية صيغة لاستيعاب القيادات الأهلية والقبلية في إطار برنامج حديث . واكدت أحداث شرق السودان مؤخراً ان مسار الشرق في اتفاق جوبا للسلام لم يستوعب سوى أقلية صغيرة .

هذا اضافة الى أحزاب الامة والاتحادي الديمقراطي الأصل والحركة الشعبية قيادة الحلو وحركة تحرير السودان قيادة عبدالواحد – ولهؤلاء جميعاً قواعد واسعة في الريف لكنهم بهذا القدر أو ذاك إما خارج العملية السياسية أو غير راضين عنها .

  • اذن بجردة حسابية تستند السلطة الانتقالية الحالية على اقليات ، سواء في القطاع الحديث أو التقليدي.
  • وتخيل سيناريو ان تتجمع احتجاجات القطاع الحديث مع قلاقل الريف بفعل ضيق قاعدة الاستيعاب السياسى ، فهل ترى يمكن ان تستقر مع ذلك الفترة الانتقالية؟!.

وبالمقابل فان اسقاط الانتقال غالبا ما يكون كارثيا ، فهو اسقاط دون برنامج متفق عليه بين راديكاليات يمينية ويسارية وحركات مسلحة ، فضلا عن ان بعض القوى المتشاركة فى السلطة هى نفسها مسلحة ، مما يؤدى غالباً للحرب الأهلية ، وربما لإنهيار السلطة المركزية التي تحتاج لعقود لاستعادتها من جديد .

  • تحتاج السلطات الانتقالية للاقرار باننا بحاجة لإعادة تأسيس الانتقال بما يؤمن دعمه من قاعدة إجتماعية واسعة ، كما تحتاج القوى الرئيسية خارج العملية السياسية للقبول ببرنامج الحد الادنى ، فبرامج الحد الأقصى مكانها الوحيد الانتخابات التي لن نصل إليها إلا بانجاح الانتقال ، فضلا عن ان الطمع الاستحواذى فى تركيبتنا المتعددة التى تجلس على براميل من البارود لن يفضى إلا لخسارة الجميع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى