الرأي

فولكر يحكي لمجلس الأمن حكاية ما قبل النوم عن السودان 

في ديسمبر2021، قدم الممثل الخاص للأمين العام لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس) السيد فولكر بيرتس، خطاب إحاطة أمام مجلس الأمن الدولي حول السودان، حينها لم يمر على الانقلاب أكثر من شهرين. الخطاب أحاط مجلس الأمن بكل شيء في تلك الفترة وعكس صورة مأساوية خطيرة لكنه لم يتحرك، وظل يراقب المشهد وهو يمضي نحو مزيد من التعقيد، وربما نام ولم ير شيئاً، وعليه لم يكن لخطاب فولكر قيمة.

رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان، فولكر برتيس

في مارس 2022، قدم فولكر خطاب إحاطة للمرة الثانية أكد فيه أن الأمور مضت للأسوأ وبشكل أخطر. وأيضاً مجلس الأمن لم يفعل شيئاً، وكأن فولكر قدم أمامه قصة خيالية وليست واقعاً إنسانياً يستدعي التدخل. كل ما قام به منذ الخطاب الأول هو تعيين خبير لحقوق الإنسان يزور السودان كل فترة، ويعود ليحكي نفس القصة التي حكاها فولكر ولو بشكل مختلف.

يوم 24 مايو 2022 وللمرة الثالثة، صحا مجلس الأمن من نومه ليستمع للسيد فولكر وهو يحكي نفس الحكاية مع إضافات جديدة، تمثل التعقيدات التي زادت المشهد خطورة. وبالأمس الموافق 13سبتمبر 2022 وللمرة الرابعة، قدم فولكر خطاب إحاطة عن السودان، وحكى نفس الحكاية التي حكاها من قبل، أكد أن الوضع أصبح أخطر أربع مرات، ولخص الحكاية قائلاً: “يمر عام تقريبًا على سيطرة الجيش على السلطة ولا يزال السودان يفتقر لحكومة شرعية تضطلع بوظائفها بشكل كامل. كلما طال أمد الشلل السياسي، كلما كان من الأصعب العودة إلى المرحلة الانتقالية التي تم تكليف اليونيتامس بالمساعدة فيها”.

وحث فولكر جميع الجهات الفاعلة على اغتنام الفرصة والتوصل إلى اتفاق ذي مصداقية بشأن حلّ يتمتع بالشرعية في نظر السودانيات والسودانيين، وأنهم في الآلية الثلاثية ما زالوا مصرين على جهودهم في ذلك الاتجاه. وقال: “أعول على مجلس الأمن وعلى المجتمع الدولي الأوسع لدعم جهودهم وتقديم جهد منسق للسودان في هذا الوقت الحرج”. طبعاً سيعود مجلس الأمن للنوم ولن يصحى إلا بعد ثلاثة أشهر حين يأتي زمن الحكاية القادمة.

حقيقة، ظل مجلس الأمن ولا يزال يتعامل مع مشكلة السودان بسلبية شجعت البرهان على الاستمرار في إجراءات الانقلاب وتصفية الثورة والثوار واستعادة النظام المخلوع بتحدٍ، ولسان حاله يقول ما قاله البشير: “ديل كلهم تحت جزمتي دي”، وكان يقصد الأمم المتحدة ومؤسساتها. وفي الواقع، التعويل عليها لا يخدم قضايا الشعوب إن لم تعتمد على نفسها.

بصراحة، مجلس الأمن لا يرجى منه بشأن أزمة السودان، فهو لا يشعر بمعاناة الشعب، كل مرة يستمع إلى خطاب إحاطة اسوأ من الذي قبله لكنه يستقبله ببرود وكأنه يستمع إلى قصة من القصص التي تحكى للأطفال قبل النوم. وتصدر ردة فعله بناء على رغبة الدول المسيطرة عليه وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وهي ليست حريصة على مصلحة الشعب السوداني ولا غيره، والآن لا تمانع إن فرض البرهان وعصابته أنفسهم على الشعب وقمع الثور مثلما فعل السيسي. كما أن هناك دولاً كثيرة تساعد البرهان على هذا منها إسرائيل ومصر والإمارات والسعودية بمباركة أمريكية، وبمعرفة مجلس الأمن، وعليه هو نفسه عدو لأنه لا يقف مع الحق بوضوح.

ليس هناك داعٍ ليحيط فولكر مجلس الأمن بأزمة السودان كل ثلاثة أشهر ما دام ليس لديه ما يفعله، وما دام أن أزمات الشعوب تحولت إلى مجرد قصص تحكى لمجلس الأمن، وما أكثرها من قصص تئن بها الشعوب، يسمعها مجلس الأمن ثم ينام مرة أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى