الرأي

يلاك معاي..!!

خلطة عجيبة من التصوّف والألحان والأهازيح والخيرية والمحبة واللطف والظرف و(طولة البال) وعشق الموسيقى وإبداع الأنغام..معجونة بماء الحياة وفضيلة الحياء وسماحة المصافاة في الأسرة الطيبية وأماديح القوم في (أم مرِّح) تكاثفت وتمثلت في صورة إنسان اسمه (التاج مصطفى)..!! رجل عامل يعمل بيده ويعلم معمار البناء ومعمار الموسيقى والشدو البديع وصوت يحمل الشجن المغموس في الفرح الرزين والتأمل الوجودي الشفيف.. يطالع الشعر ويتوقف عند مناجاة الروح وأفراح الطبيعة ولوعات الغرام ولواعج المُحبين..ومع انغماسه في دارجية السودان وطقاقيق الغناء الشعبي الجميل يتقدم ليتغنى لأول مرة (منذ دولة المرابطين) بموشح  ابن زهر الأندلسي (أيها الساقي إليك المُشتكى) وبالموسيقى السودانية: (ما لعيني عشيت بالنظرِ/ أنكرتْ بعدك ضوء القمرِ/ وإذا ما شئت فاسمع خبري/ عشيت عيناي من طول البكا..وبكى بعضي على بعضي معي).. ومنها: (غصن بانٍ مال من حيث التوى/ مات من يهواه من فرط الجوى/ نازف الأحشاء موهون القوى/ كلما فكّر في البين بكى.. ويحه يبكي لما لم يقعِ..؟؟)…فعلا حاجة غريبة…!

أغرب من ذلك أن يغني كلام في قمة الرومانسية الشعشانية من كلمات (تاجر أواني منزلية) دكانه قبالة زنك الخضار في أم درمان اسمه علي محمود التنقاري.. والتنقاري ليس من رواد السياحة في مدينة البندقية الإيطالية وراكبي الجندول تحت (جسر التنهدات) ولكن التاج غنى له: (يلاك معاي في الزورق الزاهي الجميل…نعبر ضفاف النيل سوا)..وفيها: (شاهد جمال تلك الرياض/ شوف الزهور مُلتفه في ثوب من بياض/ زي غانيه تختال في الضحى..برزت شموس ما أوضحا.. الخ

غنى التاج مصطفى لعبد الرحمن الريح أغنية كانت من المحطات الصادحة في مسيرة الغناء السوداني بمقدمتها الموسيقية الغريبة ” الملهمة” ومطلعها: (نور الحياه..انتي الأمل.. طال الفراق..وأنااااا..في اشتياق.. كيف العمل..؟! وأذكر أن صديقاً قبل سنوات قال إنه سمعها فقرر الهجرة إلى أمريكا..! ولم أفهم الرابطة بين الأغنية والولايات المتحدة.. لكن لعله ربط بين الكوبليه الذي يقول: (آمالي في الدنيا الجديدة..تتحقق أحلامي العديدة ..بعد الجفا..ألقى الصفا وحسن الوفا.. أتهنى بي رؤياك هل….هل من وصال يا روحي هل..؟! .. وتمثلت له الدنيا الجديدة في رحلة كرستوفر كولمبس التي وصل فيها إلى الأراضي الجديدة بدلاً من جزر الهند الغربية..والله أعلم..!!

الغريب أن التاج بعد موشح أيها الساقي لابن زهر سعى ليغني موشح سوداني (دماً ولحماً) فوقع عليه عند حسين بازرعة (ليلة الذكرى): تعالي واسمعي في الليل نجوانا / تعالي فالربا غنت للقيانا/ ورفّ الطيرُ في الأغصان نشوانا / وعودي قد كفى هجرا/ بقرب الجدول السحري/ وتحت خمايل الزهرِ/ تعالي يا مُنى عمري.. نجدد ليلة الذكرى..وفي مقطع منه: (تعالي نرتوي من فيض روحينا/ ونملأ من نسيم الفجر صدرينا) ثم غنى لبازرعة أيضاً (يا عازف الأوتار.. مالك على قلبي..؟!)

وغني التاج لمحمد بن سليمان التي تسميه كتب الأدب القديم (الشاب الظريف): لا تخفي ما فعلت بك الأشواقُ/ واشرح هواك فكلنا عشاقُ/..فعسى يعينك من شكوت له الهوى/ في حمله فالعاشقون رفاقُ..(.أو هكذا ينبغي أن يكونوا)… وغنى من لبنان للأخطل الصغير بشارة الخوري: (المها أهدت إليها المقلتين) وغنى للمصرية محاسن رضا: (رُبّ ليل يا حبيبي ضمنا فيه السمرْ/ وحديث الحب نجوى بين أضواء القمر/ وسمونا في هوانا عن بليات البشر/ قُدر الحبُ علينا.. فاستجبنا للقدر)..! أما أغانيه الأخرى من نوع: يا نسيم أرجوك.. وموكب الذكريات..وليتني أنساك.. وسحروك ولا مالك….وياغايب عن العين.. ويا روحي انصفني.. ويا نسيم قول لي الأزاهر…وراحة الضمير..ويا بهجة حياتي.. فهذا عالم آخر… ويبدو أن لهذا الكلام بقية..!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى