الرأي

عودة علاقة الدولة بالمواطن

واحدة من الجرائم التي ارتكبها نظام الحركة الإسلامية المخلوع في حق هذه البلد، هي فصل المواطن عن الدولة التي استفرد بها واستفاد منها بتسخيرها لنفسه وأحدث قطيعة عميقة بينهما جعلت الشعب يشعر بالغربة والعداء لدولته، ولم تنفجر ثورة ديسمبر إلا بسبب ازدياد أشواق الشعب إلى حضن دولته، ولذلك تُعتبر إعادة بناء هذه العلاقة وتمتينها من أهم واجبات الحكومة الانتقالية الملحة، وذلك من خلال تأسيس دولة الرعاية الاجتماعية التي تشعر المواطن أنها قريبة فعلا من خلال أداء مؤسساتها .
العلاقة بين المواطنين والدولة تبدأ بالحديث الملهم المتفائل الذي يزرع فيهم الأمل، وليس بالإساءة والإحباط مثلما كان يفعل النظام المخلوع الذي كان يتعمد دائما أن يفعل كل ما يزيد الشعب بعدا وانفصالا عن الدولة وهذا يصب في مصلحته، ولا أحتاج الى أن أذكركم بأقواله المنفرة والجارحة والمهينة التي قضت على حلم الناس في العيش في رحاب دولة متماسكة وعادوا إلى التجمعات البدائية القديمة مثل القبلية والمناطقية وغيرها من أساليب تعايش الإنسان مع الحياة قبل تشكل الدولة.
أعتقد أن السودان بعد ثورة ديسمبر خطا الخطوة الأولى نحو استرجاع العلاقة مع دولته، وكل المؤشرات الآن تقول إنه يمضي في الطريق الصحيح، فهو الآن أعاد الحكم المدني ونهى سطوة الانقلابيين وأنهى العزلة العالمية وجاء بحكومة تمثل ألوان الطيف السياسي الفاعل بالرغم من أنها أقل من طموحه .
قبل يومين دشن السيد رئيس الوزراء برنامج ثمرات وهو برنامج تنموي اقتصادي يعمل على رفع قدرات الموطن المعيشية ونقل الاقتصاد السوداني من التركيز على الاستهلاك قصير المدى إلى التركيز على الاستثمار في القدارت البشرية الإنتاجية طويلة المدى كما قال سيادته، وأن الحكومة تسعى لصنع تغيير مفصلي وحقيقي في علاقة الدولة مع الشعب عبر أسس جديدة تهدف لإعادة الثقة ما بين الدولة والمواطن” وذلك بوضع سياسات ومؤسسات فعالة تحقق مطالبه وطموحه، وتنفيذ برامج ومشاريع حيوية لبناء دولة جديدة بدلاً عما كانت تقوم به مؤسسات الدولة سابقاً في ظل النظام البائد لجلب الجبايات، وتمويل الحروب وتهميش المواطنين، وهذا ما جعله يحتفظ بهم بعيدا عن الدولة وقريبا من حياة الغابة.
ما قاله حمدوك أعتقد أنه كلام جديد على مسامع المواطنين لم يسبق لرئيس أن قال مثله، أي نعم كانوا يتحدثون عن ضرورة تحسين معاش الناس ولكنهم أبدا لم يشرحوا كيف يتم ذلك ولا شرعوا فيه مما يعني أنه ليس لديهم رؤية ويديرون البلد بنظام رزق اليوم باليوم، وهو أسلوب يجعل الحياة متوقفة في مكان واحد حتى مستوى الفرد .
حمدوك قال إن برنامج ثمرات يأتي في وقت تمر فيه البلاد بفترة انتقالية معقدة وذات أوجه متعددة من الحرب إلى السلام ومن الشمولية إلى الديمقراطية ومن الصراع القبلي إلى دولة المواطن وطلب من الناس الصبر وأن (يشيلو معاهم الشيلة) لأن النتائج المرجوة من الإجراءات الاقتصادية تحتاج إلى تضافر الجهود أي أن يتعاون المواطن مع الدولة وهذا أمر مهم يجب أن يسعى المواطن إلى إعادة النظر في علاقته مع الدولة مثلما تفعل هي.
ثورة ديسمبر التي أسقطتت دولة نظام الحركة الإسلامية ستعيد للشعب دولته المفقودة وستعيد العلاقة بينهما قوية مثلما لم تكن من قبل. ستسعى الدولة إلى المواطن عبر مؤسساتها ولكن لابد للمواطن أيضا أن يسعى إليها. لا يجب أن يتوقف في مكانه منتظرا أو يمضي عكسها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى