الرأي

جراحة عميقة..!

سفينة بَوْح – هيثم الفضل
رغم علمي التام بأنْ لا حل لإصلاح التشوُّهات التي ألَّمت بمنظومة الاقتصاد السوداني، جرَّاء ثلاثون عاماً من الهدم والنهب والتعدي على المؤسسية والأعراف والأخلاق، إلا عبر تحرير سعر الصرف وتعويم الجنيه السوداني، إلا أنهُ وفي ذات الحين يتملَّكني الخوف والفزع كلما خطر ببالي أن هذا القرار لم تسبقهُ (استعدادات) حكومية قصوى يُمكن بواسطتها السيطرة على تداعياته الاجتماعية والسياسية وربما الثقافية!، فهذا القرار يُمكن أن يكون قد أُتخذ عبر مناقشات ومُدارسات مُكثَّفة ثم تم الإجماع عليه، ولكن هل أخذت الحكومة الانتقالية فُرصة زمنية كافية قبل اتخاذه حتى تكون قد أعدت لهُ ما استطاعت من (قوةٍ ومن رباط الخيل).
فإن لم يكُن بنك السودان المركزي يمتلك من الاحتياطات النقدية الأجنبية، ما يُمكن أن يُجابه به صراعهُ مع السوق الموازي، هذا الصراع الذي ينبني على فكرة المنافسة والقُدرة على استقطاب سوق العُملة الأجنبية بيعاً وشراءً، استهدافاً لنزع الثقة من السوق الموازي واحتكارها لصالح مؤسسية الدولة، فسوف لن يكون هناك مُسمى عند المراقبين والمختصين في المجال الاقتصادي لمآل البلاد والعباد سوى الوقوع في (الانهيار الجسيم) وإعلان إفلاس الدولة وبالتالي فُقدان حاكميتها وقُدرتها على السيطرة والإدارة والتمثيل، أما ما يمكن أن يحدث في إطار المكوِّن الاجتماعي إذا حدثت هذه الطامة لا قدَّر الله ففي ذلك بابٌ واسع لا يدركهُ الخيال من الفوضى والصراعات التي لا نهاية لمآلاتها سوى الحروب وانتشار وتطوُّر الجريمة، فضلاً عن انفراط اللُحمة الاجتماعية والوحدة الوطنية.
لكن من باب (تفاءلوا بالخير تجدوه)، نأمل أن تنجح هذه السياسات التي صدق من سمَّاها (جراحة عميقة) لن يشعر بآلامها وأوجاعها المُرة سوى هذا الشعب الصبور الطيِّب، في نزع فتيل الأزمات والضائقة المعيشية خلال أشهُرٍ قليلة يتوقَّع المختصون بعدها استسلام السوق الموازي وارتكاز حركة مبيعات العُملات الأجنبية داخل النظام المصرفي، بما يُتيح للدولة وعبر استحوازها على هذه الموارد أن تمضي في مشاريع التنمية المُستدامة التي تستهدف إصلاح حال المواطن وتيسير أمر معيشته وضرورياته وخدماته الأساسية التي يتوقَّع التزام الدولة بتوفيرها، وقديماً قالوا (لا بُد للشهد من إبر النحل) ، أما الأسئلة الهامة التي يجب طرحها في هذا المجال هي (ماذا أعدت الدولة من مُعالجات تخفِّف من وقع الصدمة على الشرائح الأكثر فقراً؟)، و(هل ثمة إعدادات خاصة بتحسين الخدمات المصرفية خصوصاً تجاه فئة المُغتربين الذين قد يتقبَّلون الإنخفاض الطفيف في سعر العملة الأجنبية لدى السوق الموازي إذا كانوا سيحصلون مقابل ذلك على خدمة أفضل وأسرع ولا تتطلَّب جهداً، فتجار العُملة يوصلون التحويلات حتى أبواب المنازل؟).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى