تحقيقات

تردي الوضع البيئي في طوارئ الكلى بمستشفى أم درمان.. والعاملون يشتكون من ضعف المرتبات

طوارئ أمراض وغسيل الكلى: نستقبل (30) حالة يومياً

كشفت زيارة لـ (الديمقراطي) إلى مستشفى أم درمان، عن سوء وتردي البيئة. واشتكت مجموعة من العاملين من ضعف المرتبات وتأخر صرفها، مما اضطرهم للدخول في إضراب أكثر من مرة، مع وعود من الوزارة بالاستجابة لمطالبهم، ولكن دون تنفيذ.

(الديمقراطي) في المساحة التالية تعكس أبعاد القضية..

في مدخل الطوارئ

تنتشر الأوساخ وقوارير المياه الفارغة وكراتين المستهلكات الطبية، حتى داخل عنابر المرضى، وفي كل أقسام المستشفى، لا يوجد استثناء. وظهرت الأنقاض حول وتحت أسرِّة المرضى، وتراصت كراتين المستهلكات بالقرب منهم، وكانت بعض أجهزة الغسيل تصدر أصواتاً لوجود أعطال فيها.

في عيادة المرضى

العيادة التي تستقبل المرضى، قبل الدخول إلى عنبر الغسيل في قسم الطوارئ لأمراض وجراحة الكلى تتسم بالضيق، ولا تسع لـ (4) أشخاص. يجلس المرضى في مقاعد حديدية لمعاينتهم بواسطة الطبيب، يشاركهم المكان جهاز كبير معطل أخفت ملامحه الأتربة وتكسرت جوانبه، مما جعل وجوده غير مريح بالنسبة للمرضى. كما يوجد مبرد ماء معطل اعتلته قارورة غطاها الغبار.

عند دخول (الديمقراطي) الى القسم، قالت الطبيبة الموجودة وقتها، إنها عيادة، ولا يمكنها التحدث لأنها تعاين المرضى. كانت الطبيبة تجلس على كرسي بدا عليه الاتساخ والتقادم، ويسارها حوض لغسيل الأيدي مليء بالغبار، مما يدل على انقطاع إمداد المياه من العيادة لوقت غيرقصير.

عُمَّال: الوجبة الوحيدة (رغيفة) لكل عامل

انعدام المنافع

وكشفت الزيارة كذلك عن وجود حمام واحد يستخدمه جميع العاملين والعاملات، بالإضافة للمرضى والمرافقين. وتوجد سجادة صلاة واحدة، يتعاقب عليها الجميع لأداء الصلوات.

الحمام (دورة المياه)

بدت أرضية الحمام مكسرة وكذلك المقعد الذي التفت حوله قوارير المياه المتناثرة لعدم وجود مياه بالحنفية، وعلى من يقصده أن يحضر المياه برفقته. وهو (برندة) صغيرة، احتوت على حوض غسيل بالقرب منه برميل بلاستيكي وضعت عليه مياه، من أجل الوضوء وقضاء الحاجة.

تجاور الحمام غرفة النظام التشغيلي، لبعض أجهزة مرضى الفشل الكلوي، أمامها طاولة يتم فيها إعداد الشاي والقهوة للعاملين، ومساحة صغيرة لأداء الصلوات.

وأطباء يتهمون الوزارة بالكذب

ضعف الأجور

مجموعة من العاملات والعاملين بالمستشفى، في حديثهم لـ (الديمقراطي)، اشتكت من تردي بيئة العمل، بالإضافة لضعف الأجور وعدم وجود حوافز، مؤكدين أن بعضهم يعمل (12) ساعة يومياً. وكشفت العاملات بالنظافة، أنهن يتقاضين فقط مبلغ (15) ألف جنيه شهرياً، ولا توجد حوافز ولا بدلات عدوى ولا ترحيل ولا الحد الأدنى من الخدمة الطبية، بسبب عدم إدراجهن في التأمين الصحي. ورددت عاملة بقولها: “المرتبات على ضعفها، تتأخر”. وقالت أخرى تسكن ضواحي بحري، إنها تحتاج يومياً مبلغ (2) ألف جنيه للمواصلات ذهاباً وإياباً، وإن الراتب لا يكفي، لكنها لا تستطيع ترك العمل. ورددت: “بنجازف المواصلات، وفي أحيان كثيرة نستدين”.

وعود واهية

قال الأطباء الذين تحدثوا لـ (الديمقراطي)، إن المرتبات على ضعفها لا تأتي في موعدها، الأمر الذي دفع بهم للدخول في إضراب، مما جعل المسؤولين بالوزارة يقومون باستدعائهم والاجتماع بهم، ووعدوهم بأن المشكلة سيتم حلها في الخامس من شهر نوفمبر، وستقوم الوزارة بتنفيذ كل مطالب العاملين، شريطة فك الإضراب.

وأوضح العاملون أن الوزارة، وحتى العاشر من نوفمبر، لم تفِ بوعدها بحل مشكلة المرتبات، الأمر الذي جعلهم يدخلون في إضراب للمرة الثانية بتاريخ 13 و 14/ نوفمبر، وعادت الوزارة لاستدعائهم مرة أخرى، وأعادت وعدها مقروناً بالقسم بأنها ستفي به، وتحسِّن أوضاعهم، وتزيد مرتباتهم، وسيتم صرفها في موعدها. لكنها كعادتها، تكذب.

قال طبيب: “نحن بشر، ولدينا احتياجات أساسية”. وردد: “هل إذا ذهبت إلى المخبز وطلبتُ خبزاً، ولا أملك مالاً، وقلتُ لصاحب المخبز إنني طبيب، هل هذا كفيل بمنحي خبزاً؟”. أضاف: “راتبي 35 ألف جنيه فقط”.

الوجبة

كشف العاملون والأطباء والممرضون والتقنيون وعاملات النظافة، عن وجود وجبة وصفوها بـ (الرديئة)، وتقول إحدى العاملات إن الوجبة عبارة عن (رغيفة) واحدة لكل عامل، مع فول أو عدس بدون زيت، وتشمل حتى الأطباء.

عدم الرضا الوظيفي

تقول إحدى العاملات التي فضلت حجب اسمها، إنها تعمل منذ العام 2019 بالمستشفى، وتعاني من ضعف المرتب، مع عدم وجود ترحيل، خاصة أنها تسكن في أطراف أم درمان. وذكرت أن العاملات ليس لديهن تأمين صحي ولا بدل عدوى، الأمر الذي يجعل الجميع غير راض وظيفياً، وقالت: “إذا تغيبت العاملة منهن يوماً واحداً، تكون العقوبة خصم يومين من المرتب، على قلته”. وأبانت أنهن كثيراً ما يضطررن للبحث عن مبلغ لتغطية نفقة المواصلات والعودة عند نهاية الدوام، أضافت: “نعمل منذ الساعة السادسة صباحاً حتى السادسة مساءً، دون أن تخصص لنا حوافز”.

في ذات السياق، أكدت العاملات أنهن يقمن بالعمل على نظافة المستشفى (12) ساعة في اليوم دون تخصيص حافز مادي لعدد الساعات الإضافية، وتقول إحدى العاملات بالتمريض إنها تتقاضى راتباً قدره (20) ألف، وتعمل مدة (12) ساعة دون أدنى امتيازات، وعدت ذلك بأنه ظلم بائن، ورددت: “نعمل من أجل المرضى لأنهم في حاجة للعلاج، حتى لا نكون سبباً في تأخر شفائهم، نؤدي مهامنا استجابة لضميرنا وإنسانيتنا”.

عدد المترددين

من جهة أخرى، كشف مصدر طبي مطلع، بقسم مستشفى الطوارئ لأمراض وجراحة الكلى بأم درمان، عن تردد (30) مريضاً بالفشل الكلوي يومياً للغسيل، ويتم إجراء ما بين (10 – 15) عملية تركيب قسطرة غسيل. في الوقت الذي أكد فيه المصدر أن غالبية المترددين على أقسام الغسيل من الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين (18 – 30) عاماً، معظمهم قادمون من مناطق التعدين العشوائي بالولايات، مؤكداً أن التردد كبير لمرضى موزعين بمراكز الغسيل في ولاية الخرطوم. وأوضح المصدر أن الحل لا يكون بعمليات الغسيل، بل بعمليات زراعة الكلى. وقال: “هنالك خطوات جيدة لتوطين عمليات الزراعة، ولكن الإشكالية تكمن بين المتبرع والزارع، لجهة أن السياسة الصحية تشترط ألا يكون التبرع تجارياً حتى لا يفتح ذلك باباً لتجارة الأعضاء”.

سوءٌ وتردٍ

مجموعة من الأطباء قالوا إن بيئة العمل سيئة ومتردية وتفتقر لأبسط المقومات، تتمثل في بعض الأجهزة الضرورية لفحص المرضى في قسم الطوارئ، مثل جهازي رسم القلب والإنعاش.

وقالت مجموعة من الأطباء العاملين بالمستشفى، والذين فضلوا حجب أسمائهم، إن المرتبات المخصصة لكل العاملين بالمستشفى لا تكفي الحد الأدنى من احتياجاتهم، ويعيشون ظروفاً إنسانية قاسية، خاصة العاملات من النساء في مختلف التخصصات، مؤكدين أنهم رفعوا مطالبهم للوزارة أكثر من مرة، وقاموا بتنفيذ إضراب تدخلت على إثره الوزارة ووعدتهم بالعمل على تحسين أوضاعهم، لكنها لم تفِ بذلك، وقاموا مرة أخرى بتنفيذ وقفة احتجاجية دون جدوى أو استجابة من الجهات ذات الصلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى