الرأي

التحسر على الماضي.. هل سيفيد؟

آمال عز الدين التمر
تزخر بلادنا بتاريخ حافل وتراث متنوع شمل شتى بقاعها في مختلف الأزمان، في الشمال والجنوب والشرق والغرب والوسط، فنجد الحضارة الكوشية ما قبل الميلاد، والممالك المسيحية والمسلمة ما بعده، ونجد دخول معظم أراضيها تحت الحكم التركي وقيام الدولة المهدية ثم دخول المستعمر البريطاني ومنها إلى استقلال السودان ودخوله في فترات حكم مختلفة، حيث ضمت تلك الفترات المختلفة في ثناياها أحداثًا كثيرة ومواقف سجلها التاريخ وأسماء كتبت في صفحاته، فنلجأ إلى تلك الأحداث ونستذكرها احتفاء بها وتعظيمًا لما حوته من قيم وطنية لنا.
وبالتأكيد فإن استذكار الحقب الماضية في السودان يولد شعورًا بالفخر والاعتزاز لدى أبناء البلاد خاصة عند الحديث عن نضالات الشعب ضد المستعمر، وكذلك عند تذكر ملامح الحضارة والعادات والتقاليد التي صاحبت تلك الفترات ومحاسنها التي قد تبدو متضائلة في زماننا هذا.
ولربما اختفاء بعض هذه الملامح الآن بل وسوء الأحوال المعيشية كذلك جعل الكثير من الناس يتحسرون على فوات تلك الأيام بمختلف فتراتها وما صاحبها من مظاهر رغم اختلاف الأحداث التي صاحبت تلك الفترات، فيجعلون أنفسهم سُجَنَاء للماضي لا يستطيعون المضي إلى الأمام، وذلك بذكرهم للمواقف والأحداث و(الحسنات) التي تواجدت في تلك الفترات وأصبحت غير موجودة اليوم دون السعي أو التفكير لأجل الحاضر والمستقبل والتخطيط له.
وثمة فرق بين العودة إلى الماضي وتاريخه لأخذ الدروس والعبر منه، وبين العودة إليه تَحَسُّرًا على ما فيه، فالأولى نعني بها استذكار أحداث الماضي التي نتجت عن تجارب قد تكون خاطئة لتفاديها مستقبلًا أو ناجحة لتطبيقها وتعزيزها كذلك، أما الأخرى فلا تجدي نفعًا ولا تفعل شيئًا سوى غرس الإحباط في النفوس وتوقف عجلة الزمن في الماضي.
إن التحسر على ما فات قد أضحى عادة تلازم الكثيرين منّا، بل ويمتد الأمر كذلك على المستوى الشخصي، فتجد المرء يستذكر مواقف حدثت له في ماضيه ويندم عليها أشد الندم دون الاستفادة من تجربته التي مرّ بها، وكذا الأمر على الصعيد المجتمعي، فتجد الجميع لا يتوقف عن تذكر الماضي ومحاسنه ويتناسون ويلاته وما قاسوه من تجارب عاشوها، قد يبدو الأمر صعبًا ولكن إن لم نتوقف عن ذكر الماضي فلن نجد سبيلًا للتقدم إلى الأمام، علينا أن نفكر في الحاضر وما يمكننا فعله فيه بأخذ دروس الماضي والاستفادة منها بدلًا عن التحسر عليه، لأن الحاضر هو ماضي المستقبل وحتى تستفيد من تجربتنا الأجيال القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى