الرأي

إسقاط العمامة من إيران على السودان

بثينة تروس   

من شعارات الثورة الإيرانية (الأمة الرسالية لا تهزم)، وهو شعار تبنته حكومة الإخوان المسلمين في السودان، وكان حلمهم أن يقيموا نموذج الدولة الإسلامية الإيرانية (الشيعية) 1979.

في ذلك الوقت، خرجت تظاهراتهم في الخرطوم تتبع تلك الخطى (إيران إيران في كل مكان)، وبالفعل دانت الدولة لهم بانقلاب عسكري، وأقاموا دولة إسلامية (سنية) في بلد متعدد الأعراق والأديان والإثنيات، لثلاثة عقود من الزمان.

خلال تلك العقود، أعملوا تصوراتهم للمشروع الحضاري الإسلامي، وتحكيم قوانين الشريعة التي بموجبها تم الجلد والقطع من خلاف على الضعفاء، وشنت حروب الجهاد الإسلامي العبثية في الجنوب وجبال النوبة. وصار حكامها ولاة، وقتلاها شهداء تقام لهم الأعراس تزفهم إلى السماء. وفي المعارك تقيهم الغيوم حر السموم، وتحميهم حيوانات الغابة من الألغام، وتدعمهم الرعية بالرؤى النبوية والتنبؤات بالنصر الأبدي.

ظلت تلازمهم أوهام عقدية أنهم أمة رسالية معصومة لا تهزم طوال مسيرتهم وما فتئت، حتى بعد أن خرج عليهم الشعب في ثورة ديسمبر المجيدة في جميع البلاد، بما فيهم أولادهم من أصلابهم، يشهدون على مفارقتهم للدين وفسادهم.

إسقاط العمامة على إيران والسودان

ومن هول الصدمة، غاب عن وعيهم كيف أذهب الثوار وقارهم، حين أنزلوا قياداتهم من منابر المساجد، ومنعوا أئمتهم أمامة المصلين في المساجد، لفجورهم وكذبهم بالدين، بل تم حصبهم في الطرقات تلاحقهم ذلة ومسكنة. وبالرغم من ذلك، ظلوا يتبعون ذات المنهجية في الاختباء تحت العمامة وقداسة الدين وحمايته.

في حيثيات نقدهم لمسودة وثيقة الدستور الانتقالي للمحامين، اعترضوا على عدم تضمين الدستور نص الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع في البلاد، وأضافوا كذلك أنه لم يذكر في مقدمتها (بسم الله الرحمن الرحيم). ذكروا ذلك ولم يطرف لهم جفن، وكأنهم لم يفسدوا باسم الشريعة وباسم الله الرحمن الرحيم.

ليتهم حدثونا عن أين يفارق نص طبيعة الدولة في المسودة أصل الدين والإسلام، فقد ورد في النص: ”جمهورية السودان دولة ديموقراطية فيدرالية، تتعدد وتتعايش فيها الثقافات والإثنيات واللغات والمذاهب والأديان. نظام الحكم فيها نظام برلماني، وتقوم الحقوق والواجبات فيها على أساس المواطنة دون تمييز بسبب الإثنية، أو الدين، أو الثقافة، أو اللون، أو اللغة، أو النوع، أو الوضع الاجتماعي، أو الاقتصادي، أو الإعاقة، أو الانتماء الجهوي، أو بسبب أي تمييز أيا كان”.

من الواضح أن هذا النص تضمن جمع الإسلام والأديان وكريم المعتقدات، إذ إن أصله العدل. ويتضمن حقوق الإنسان، ودفع الشباب أعمارهم مهراً لتحقيقه، لذلك يخشاه الإخوان المسلمون والمصطفون في تيار إسلامي عريض ضد قيام حكم مدني في البلاد.

ففي قرارة أنفسهم، يعتقدون أن لهم قداسة إسلامية تمنحهم حصانة، تمنع عنهم المساءلة، ولا تنالهم العقوبات، كتلك التي يتمتع بها الجنرال وبقية الجيوش. ولعلهم بحسب البيان أيضاً: ”زي الكلبة الوالدة والنحل”، حين الاقتراب من إقامة العدالة.

هم لن يستريحوا كما استراح الذين عدلوا باسم الشريعة ”حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر”، كما أنهم لا يؤمنون بالدستور الذي يلزم الدولة بأن تقف على مسافة واحدة بين جميع الأديان، لأن هذا بالطبع يسحب عنهم القداسة، واعتقاد أنهم الأعلون، وأن المواطنين السودانيين من غير المسلمين مواطنون من الدرجة الثانية، لا حظ لهم في المواطنة المتساوية في الحكم، أو تقلد مناصب الوزارات، وتولي أمور الناس.

وفي السابق، أقاموا حروب التطهير العرقي بفهم الجهاد العرقي، أشعلوا نيران القبلية والفتن التي يشتعل أواراها حتى الساعة، وألفوا القتل حتى صار كل من خالفهم كافر علماني وضد الإسلام. وأفتى شيوخهم لقمع الثورة بقتل ثلث الأمة المسلمة، وتوعدوا الشباب بنصب المشانق لهم في الميادين، وكان أن قتلوهم وسحلوهم على مرأى ومشهد من أهلهم والناس أجمعين.

والعهد بالإخوان المسلمين أنهم يقدمون التنازلات في سبيل الحكم، وأعلنوا مراراً تخليهم عن مطالب تحكيم الشريعة وعنتريات حماية الدين، تقف شاهداً على ذلك مواقفهم من اتفاقية مشاكوس ونيفاشا من بعدها.

جماعة الاصطفاف الإسلامي وحزب الإصلاح يعلنان عن بؤسهما الأصيل في خشيتهما من الحكم المدني، لأن فيه مساواة بين الرجال والنساء، كأن أخوات نسيبة لم يكن في البرلمان وصناعة القرار يوماً، بل كن يفصلن قوانين الشريعة الإسلامية وأحكامها (بدرية سليمان ورفيقاتها) يكتبن فقه الحلال والحرام بحسب أهواء الحكام، وتم تميزهن بأكثر من المساواة، إذ تركن فقه الحيض والنفاس لأصحاب العمائم ورجال الدين والفقهاء.

أما تخويف العوام بأن الحكم المدني يعني الانضمام والتوقيع على الاتفاقيات العالمية، والتخويف بـ (سيدوا)، والتحريض بالحرص على قيم الأخلاق والدين؛ فهو قول فيه عدم حياء. إذ كان في دولتهم الإسلامية وظيفة (اختصاصي اغتصاب)، يستبيح أعراض الرجال والنساء من المعارضين السياسيين.

وسبل الإرهاب الديني لا تحجب معرفة أن هنالك دولاً إسلامية تنص دساتيرها علي الشريعة الإسلامية، منها (٥٤) دولة موقعة على (سيداو) بينهم (٢٠) دولة عربية بتحفظات، في مقدمتهم المملكة العربية السعودية.

ولقد ذكرنا في مقالات عديدة أن الاتفاقية عرت جهل الفقهاء بالدين، وعجز الإسلاميين عن مواكبة قضايا المرأة وما اكتسبته من حقوق. بل أكثر من ذلك، تقف شاهداً على انعدام المنهجية الإسلامية والفكرية الموحدة للدول الإسلامية لمفهوم تطبيق الشريعة الإسلامية، واعتمادها في دساتيرها.

الإسلاميون يتحدثون عن فوزهم في الانتخابات القادمة، ويقفون في وجه الحكم المدني والتحول الديمقراطي. يمنون أنفسهم بعودة الحكم بمنهجية هيمنة العمائم، التي لم تعد الأجيال الشبابية من النساء والرجال التي تبحث عن قيم الحرية والمساواة والعدالة والتدين الحق، تنخدع للتناقض المزري من قبل الإسلاميين.

وها هو النموذج الإسلامي في إيران يتصدع تحت زلزلة أقدامهم وهتافاتهم، الثائرون في الطرقات يستهدفون عمائم رجال الدين، يسقطونها من على رؤوسهم باعتبارها رمزاً للجرائم والفساد. أما إرادة الشعب السوداني فهي: الحكم المدني، إزالة التمكين، إصلاح النظام القضائي، والمواطنة المتساوية، في سبيل استعادة البلاد المختطفة من أصحاب العمائم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى