الرأي

مواطنون شركاء في الفساد

أسماء جمعة

اسوأ الجرائم التي ارتكبها النظام المخلوع في حق هذا البلد، هي إفساده لنسبة مقدرة من هذا الشعب سواء كانوا سياسيين أو غير سياسيين، ودائما ما نتحدث عن الفئة الأولى ونحملها كل مشكلات السودان، وهي ليست موضوع حديثا اليوم وانما الفئة الثانية وهي تمثل جزءا مقدرا من عامة الشعب وتتحمل جزءا كبيرا من مسؤولية خراب البلد، فقد تحولت إلى (كيزان عديل) واصبحت تمارس الفساد بمتعة لا ينهاها وازع ديني ولا أخلاقي ولا ضمير، تتاجر في كل شيء حتى ولو يدمر البلد ويتسبب لها في أزمات طاحنة تشقي المواطن ولا تجد من يقف ضدها، وهذا ما زاد الظروف المعيشية قسوة .

الاسبوع الماضي تمكنت الشرطة الأمنية، من القبض على شبكة تتاجر في الأدوية المنقذة للحياة والمعدومة، في كمين نصبته بمناطق متفرقة في العاصمة وعددهم (12) مواطنا. وهذا الاسبوع تمكنت إدارة مباحث حماية المستهلك من ضبط شبكة إجرامية تعمل في تجارة الكتاب المدرسي الخاص بمرحلة الأساس مخزنا في سوق ام درمان رغم أن هناك عجزا في توفيره بسبب ظروف الدولة، عددهم غير معروف وما زال التحري جاريا، كما تمكنت قوه بمعبر جبل اولياء من توقيف متهمين يقودون عربه تحمل جوالات دقيق مدعوم معبأ بجوالات مختلفة متجه إلى خارج الخرطوم لبيعه تجاريا .

هذه الجرائم الثلاث تمت خلال ايام وهي ليست الوحيدة وانما التي ذكرها الإعلام وما لم يذكره أكثر بكثير، ولكن الملاحظ أن تتكرر كثيرا، والمتهمون فيها مواطنون من عامة الشعب المطحون، قد يصل عددهم إلى المائة، لأن العمل في تهريب السلع الضرورية والكتب التي ليست للبيع اساسا يحتاج الى شبكة، تبدأ من المواطنين الذين أوكلت إليهم مهمة حراسة المخازن مرورا بالذين يقومون بعمليات التهريب والاستلام والتخزين مرة أخرى ثم التوزيع سرا، وهي مخاطرة وجريمة يقوم بها البعض مقابل أن يجد كل فرد مبلغا من المال إن اشتغل بأي عمل شريف قد يكسب أكثر منه.

المهم هو أن هؤلاء المواطنين الفاسدين يتسببون في حرمان مواطنين آخرين من حقهم وهم أحوج منهم بكثير، خاصة فيما يتعلق بأمر الأدوية المنقذة للحياة والدقيق المدعوم فهو أيضا منقذ للحياة، فهناك من لا يأكلون إن لم يجدوه.

تخيلوا حين يكون هناك ثلاثة أو أربعة ملايين مواطن لا شغل لهم غير احتكار وتهريب السلع المدعومة وغير المدعومة لتباع للمواطنين بضعف السعر مرات ومرات، والضروري منها لا يكون متاحا ولا يمكن الحصول عليه إلا عن طريق سماسرة شركاء في المهمة يزيدون التكلفة، بلا شك ستكون الأزمة أعمق بكثير من الحقيقية وسببها المواطن، وتخيلو أن توقف هؤلاء عن هذا الإجرام، بلا شك لن تكون هناك أزمة حادة في اي سلعة.

ما أود أن أقوله هو أن بعض المواطنين هم سبب نصف الأزمة التي تعيشها البلد، والنصف الآخر سببه المسؤولون الفاشلون، وإن تخلى المواطنون عن هذه السلبية والفساد والأنانية فستنتهي نصف الأزمة، وإن ركزوا مع مراقبة المسؤولين الفاشلين ومحاسبتهم فسينتهي النصف الآخر، ولكن بما أن الجميع منشغل بالفساد والسلب فسيستمر العناء والشقاء وسيطول زمن المعاناة، لذلك مطلوب من كل مواطن العمل لتغيير هذا الواقع، وكل يمكنه فعل شيء اذا فكر بإيجابية وشجاعة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى