الرأي

من يوميات مواطن سوداني

*هذا المواطن الذي نخصص له (كلام الناس) اليوم مواطن عادي من غمار الناس، أي إنه ليس من الصفوة ولا من أصحاب الحظوة، إنه مثله مثل غيره من السودانيين “الفاضلين” الذين ظلوا يتحملون كل الأمطار السياسية والاقتصادية والأمنية التي “صبت” على رؤوسهم، كما ظلوا يتحملون مسؤولياتهم تجاه أسرهم وتجاه الوطن في صبر وجلد يحسدون عليه.

*هذا المواطن لم يعد يعرف لمن يشتكي، وهو يدرك أن الشكوى لغير الله مذلة، ويعلم أن الجماعة “سادين دي بطينة ودي بعجينة”، إضافة إلى أنه لم يعد يندهش من الذي يجري حوله بلا انقطاع، وأنه من كثرة المفاجآت التي يواجهها كل صباح لم يعد يحس بالمفاجأة، وبالتالي فقد الإحساس بالدهشة، خاصة تجاه ما يجري في الأسواق من انفلات جنوني بلا رابط ولا ضابط.

*هذا المواطن “اندهش” – وهو إحساس لم يشعر به منذ سنوات خلت – عندما استمع إلى شكوى صديقه “الطبيب” من ارتفاع تكلفة العلاج في المستشفيات الخاصة التي غمرت البلاد على حساب المستشفيات العامة التي خضعت مع سبق الإصرار والترصد إلى عملية تجفيف متعمدة، بدعوى نقل الخدمات الصحية والعلاجية إلى الأطراف، ولعن “الطبيب الشاكي” الذي كان السبب في ذلك.

*استمع المواطن العادي إلى صديقه طبيب الأسنان في “دهشة” وهو يشتكي من المبلغ المليوني الذي ينبغي أن يدفعه لجلسة واحدة لقريبه الذي أصيب بالفشل الكلوي، واضطرته الظروف للذهاب به إلى مستشفى خاص، وقال “الطبيب” إنه لايستطيع دفع هذا المبلغ المليوني لقريبه في كل جلسة، لذلك فإنه يسعى لتحويله إلى مستشفى أو مركز علاجي لا يكلفه هذا المبلغ.

*المفاجأة التي كانت تنتظر المواطن موضوع (كلام الناس)، اكتشافه في ذات اليوم أن تكلفة تركيب أسنانه بمبلغ مليوني لم يكن يخطر على باله، فاضطر أن يطلب من صديقه الطبيب – صاحب الشكوى عاليه – كي يقسط له المبلغ المليوني المطلوب منه.

*هذا المواطن الذي تحمل ومازال يتحمل الانفلات الجنوني في الأسعار لم يكن يتوقع أن تصاب الخدمات الطبية والعلاجية بعدوى “جنون الأسعار”، لكنه وجد الطبيب نفسه يشتكي من هذا الجنون. اضطر صديقنا المواطن لإعادة حساباته التي لم يعد “يحسبها” منذ سنوات خلت، لانه يخشى على نفسه إذا حسبها بالمنطق والعقل أن يفقد ما تبقى من عقله.

[email protected]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى