من أقوال الطيب صالح
يقول الطيّب صالح:
“عندما أفكّر في حبّوباتنا وأمّهاتنا وعمّاتنا وخالاتنا، أجد أنّهنّ قمنَ بأكبر العبء – حقيقة – في الحفاظ على تماسك البيئة والجميع.. أذكر أنّ جدّتي لوالدتي واسمها زينب، كانت مقيمة في (العفاض) مركزنا الأصلي. كانت تجيء من العفاض لتزور أمّي وخالتي وإخوانها وأقاربها، ولا تترك أحداً في البلد إلّا وتزوره.
تقول لك: عندي لحمة في المحل الفلاني وسرارة في المحل الفلاني.. كلّ هذه الأمور عبارة عن أسمنت يربط بعضهم ببعض، بالرّفق والمحبّة والرّحمة وليس بالأمر والنّهي.. ورأينا كيف كانت أمّهاتنا في أوضاع معيشيّة صعبة بالمقاييس الاقتصاديّة الحديثة، ورغم هذا نشأنا ونحن نحسّ بأنّنا في غاية الغنى، لم أشعر أبداً بأنّني فقير.
وأذكر لمّا دخلنا جامعة الخرطوم كانت أحوال أولاد (الأفنديّة) أحسن، وناس أم درمان مثل صديقنا العزيز منصور خالد، كانوا يعتقدون أنّني غني، وكذلك كلّ القادمين من أرياف وقرى السّودان (ما سائلين في أحد) لأنّنا شربنا هذه الطمأنينة، وهذا الغنى من أهلنا، وأنت تدري أنّ في تراثنا الطّويل (الفقراء اتقسموا النّبقة) والغني يخجل من أهله، فلا يسرف في البناء ولا يُظهر الحياة المترفة حتّى يكون مثل أهله. الآن دخلنا باسم القيم والأخلاق في وضع (غير أخلاقي)..