قضايا فكرية

مفردات نقدية وفكرية

بارادوكس او مفارقة   (Paradox)

…….الفاتح مبارك عثمان…..

1.   بارادوكس من الاغريقية بارا ( شابه، جانب، قارب، فارق، جاوز)، ودوكسا (اعتقاد) تعني حرفيا:  ما جانب، او فارق، او جاوز، الاعتقاد العام او الحس السليم. البارادوكس او المفارقة، عموما ،  هي اي  عبارة ( مقولة او افادة) او مجموعة من العبارات،  تبدو في الظاهر متناقضة او عبثية المعنى. هذه العبارات، علي ما فيها من تناقض او غرابة، قد تنطوي مع ذلك، لو تمعناها عن كثب، علي ما قد يثير التامل، الممزوج بعض الاحيان بالدهشة.

2.    للمفارقة حضور قوي في عوالم الفلسفة واللغة،  قديما وحديثا. الفلاسفة يعتقدون انها تساعد في تجلية بعض جوانب عملية التفكير لما تطرحه من معضلات منطقية ومعرفية مثيرة لإعمال الفكر.  اما  العاملون في الادب – الشعراء منهم خاصة –  فقد ظلت المفارقة علي الدوام  واحدة من حيلهم البلاغية التقليدية،  الذكية و المؤثرة.

3. بعض فلاسفة المنطق يري في المفارقة وسيلة لكشف ما اذا كانت العبارات،  في معرض تعليلها (عقلنتها) لدفوعاتها،  تعاني من خلل كامن في  منطق تعليلها او فرضياتها. دعنا نتناول بارادوكس او مفارقة ” بطاقة المعايدة” ( احدي تفريعات بارادوكس الكذاب) كمثال توضيحي مبسط  لشرح فكرة المفارقة المنطقية.  مفارقة بطاقة المعايدة تفترض وجود بطاقة من جانبين . علي كل  جانب مقولة او عبارة ما –  عبارة (أ) علي جانب الوجه، وعبارة (ب) علي جانب الظهر:

o    عبارة وجه البطاقة (أ) تقول:

” علي ظهر هذه البطاقة عبارة صادقة ”

o    عبارة ظهر البطاقة (ب) تقول:
” علي وجة هذه البطاقة عبارة كاذبة ”

o    علي افتراض ان وجه البطاقة  “أ” صادق فيما يقوله عن ظهر البطاقة “ب” (علي ظهر هذه البطاقة عبارة صادقة ) لا بد لنا ان نصدق  ما يقوله ظهر البطاقة “ب” عن وجهها “أ” (علي وجه هذه البطاقة عبارة كاذبة ).

o    اذا اخذنا الان بصدق ما  تقوله “ب” عن “أ” (علي وجه هذه البطاقة عبارة كاذبة) تصبح “أ”، من ثم،  كاذبة فيما تقوله عن ” ب” (علي ظهر هذه البطاقة عبارة صادقة).

o    . واذا اعتبرنا الان ان “أ” كاذبة فيما تقوله عن “ب”، تصبح “ب”، بالتالي، كاذبة فيما تقوله عن “أ”. واذا كانت “ب” كاذبة فيما تقوله عن “أ” فان “أ” لا بد ان تكون صادقة فيما تقوله عن “ب”. هذه مفارقة او بارادوكس.

4.    غير ان الفلاسفة ليس بينهم اجماع  ازاء ما تطرحه المفارقة عموما من اشكالات منطقية او ابستمولوجية (معرفية). فانصار مدرسة الفلسفة التحليلية (الانغلو ساكسونية) تتردد مواقفهم بين من يميل منهم الي الاعتقاد في امكانية التخلص من المفارقات،  وما تسببه من تلغيز واختلال في معني العبارات، باصلاح منطق تعليلها او تصويب ما استند عليه  منطقها من مقدمات.  وبين  من يشيرون الي محدودية هذا الضرب من المعالجة ،  بدليل ان معظم المفارقات المنطقية او الدلالية، المعرفة والمتداولة في حقل الفسفة،  ما تزال،  في نظرهم،  الي الان مستعصية علي الحل. في المقابل، نجد معظم  فلاسفة المدرسة القارية (الاوربية) لا ينظرون الي المفارقة (او اخواتها مثل التناقض او الابوريا) كمشكلة منطقية تقتضي معالجتها بجرعات اضافية ومحكمة من المنطق. بل بوصفها ظاهرة مستاصلة في قلب التفكير علينا التعايش معها وتفكيرها. الفيلسوف الفرنسي جاك ديلوز، مثلا، يري ان قوة المفارقات لا تكمن فحسب في ما تحمله من تناقضات، وانما تكمن، بالاحري، في اتاحتها لنا حضور ميلاد التناقض نفسه. المفارقة عند ديلوز تمثل نقطة انطلاق التفكير. ففي قلب المفارقات نلتقي، كما يقول،  بالتناقضات او المتضادات التي تجبرنا علي التفكير و تفكير التفكير.

5.    كادة بلاغية اكدت المفارقة انها وسيلة بارعة لغواية القارئ او استمالته من خلال صياغات تعبيرية غير متوقعة ومباغته للدارج والمالوف. اكثر هذه التوظيفات نجدها فيما يعرف بالاكسمورون (Oxymoron). الاكسمورون هو صياغة لغوية تجمع بين مفرادات او عبارات،  تعتبر، بحكم العرف والعادة، مفردات او عبارات ذات دلالات متناقضة. امثلة:

o    المضحك المبكي، البارد الحار، ضوضاء الصمت، القبيح الجميل، الحاضر الغائب….
o    ” ارحمونا من هذا الحب القاسي” (عبارة مشهورة للشاعر محمود درويش)
o     “يا رفيقي الميت الحي كموتي وحياتي” ( من قصيدة للشاعر سميح القاسم في رثاء سكرتير الحزب الشيوعي السوداني عبدالخالق محجوب)
o    ” كان علينا تدمير القرية لانقاذها” ( جندي امريكي في فيتنام)

مراجع
1.    M. H. Abrahams, Glossary of Literary Terms (Boston: Heinle & Heinle, 1999),  201-3
2.    G. Vessey and P.Foulkers, Collins Dictionary of Philosophy (London and Glasgow, 1990), 214
3.    Robert Audi, ed., The Cambridge Dictionary of Philosophy (Cambridge: Cambridge University Press,1995), 558-61
4.    Ross Murin and Supryia M. Ray,  The Bedford Glossry of critical and Liteary Terms (New York: Bedfortd Books ,1998), 265-6
5.    Robert M. Martin. There Are Two Errors In the Title of this Book (Canada : BroadView Press, 2002) 49-96
6.    David Panagia. The Poetics of Political Thinking (Duke University Press, North Carolina, 2006), 49

[email protected]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى