الرأي

مداخلة على المداخلة

اشكر للاخ الكريم محمد شيخ الدين من الله مداخلته على ماتطرق اليه الاخ عصمت الدسيس في منتدي سيدني حول حقبة المهدية في السودان حسبما تناوله الاستاذ نور الدين مدني في هذا العمود الصحفي المقروء.
كما اشكره على اشارته – في ختام مداخلته – الى ان (الموضوع فيه تفصيل كثير يحتاج الى مزيد من التفاعل والآراء من الاحباب والمتخصصين.)
وانطلاقا من هذا الفهم، ارجو ان يسمح لي الاخ من الله الإدلاء بدلوي وذلك من منطلق ان البحث عن الحقيقة هو ديدن الجميع وان اختلاف الرؤى حولها لايفسد للود قضية بين الناس، ولي في هذا المقام نقطتين:
النقطة الأولى تختص بموقف وسط السودان من الثورة المهدية في مقابل موقف اقليم كردفان منها.
والنقطة الثانية تتعلق بملابسات وتوصيف وحقيقة ماحدث في حاضرة الجعليين (المتمة) من قبل جيش المهدية بقيادة محمود ود احمد.
فيما يختص بالنقطة الأولى قال الاخ من الله إن (المراكز الدينية في الوسط لم تستجب للدعوة المهدية بسبب عدم قدرتهم عسكريا للوقوف ضد السلطة التركية الغاشمة) وكان يمكن ان يكون في هذا القول شيء من الصحة لو ان المراكز الدينية المشار اليها كانت لها- في الاصل- قوة عسكرية باي مستوى.
فشيوخ الوسط الذين عددهم الاخ من الله والذين انخرطوا في الثورة، كانوا من المدرسة الصوفية التي تعتقد في ظهور المهدي المنتظر ولذلك وجدوا مبررا عقديا لموقفهم غير المعادي للثورة وتحقيقا لامنية غالية تجلب لهم سعادتي الدنيا والآخرة. ولابد لنا هنا ان نذكران استاذ المهدي محمد شريف نور الدايم الذي ينتمي الى شيوخ الوسط الذين عناهم الاخ من الله، اتخذ موقفا معارضا لدعوة (حواره) المهدي. ومن الطريف هنا ان نذكر ان هؤلاء الشيوخ المحترمين – بعد ان ابطلت المهدية المذاهب الاربعة وقيدت الطرق الصوفية بدعوى توحيد المسلمين تحت راية المهدية– وجدوا انفسهم في موقف الخضوع للامر الواقع الذي ابطل ريادتهم الدينية والاجتماعية. وما ان سقطت دولة المهدية حتي عاد اؤليك الشيوخ الى طرايقهم و قبابهم ومسايدهم واورادهم ونوباتهم ومدايحهم الصوفية في حضن الامر الواقع الجديد الذي اعقب معركة كرري وماتلاها من تغيير في سياسة الحكم الغاشم الجديد.
وهذا الموقف الذي اتبعه شيوخ الصوفية – في الحالتين – تجاه سلطة الامر الواقع كان موقفا عقلانيا – وليس انتهازيا باي حال. فقد كان لابد لهم من الاختيار بين البقاء والفناء، ففضلوا الحياة بمصايبها على الموت الزؤام.
وهناك شريحة اخرى من مراكز وسط السودان لم تشملها مداخلة الاخ من الله وهي جماعة العلماء ذوي الثقافة الازهرية السنية. وهذه الجماعة تمتد جزورها التاريخية الى ايام (رواق السنارية) بالازهر الشريف فقد اتخذت هذه الشريحة موقفا معارضا للثورة المهدية من منطلق فقهي سني لاينكر ظهور المهدي المنتظر من حيث المبدا، ولكنها لم تر انطباق صفاته ونسبه وشروط ظهوره علي محمد احمد زعيم الثورة وقائدها. ومن هؤلاء العلماء الشيخ احمد ابن اسماعيل الولي والشيخ محمد ولد حتيك والشيخ ولد الدليل الذين ذكرهم المهدي بالاسم في احد منشوراته ووصفهم بالنفاق وحب المال والجاه الذي اسبغته حكومة الاحتلال التركي عليهم. اما الشيخان: محمد الخير والمضوي عبد الرحمن فقد غيرا موقفهما المعارض بعد ان توالت انتصارات المهدي واقتربت من احتلال الخرطوم.
ولمزيد من التقصي والتامل في مواقف شيوخ الصوفية والعلماء، ارجو ان احيل الاخ من الله الى كتاب البروفسور عبد الله علي ابراهيم: (الصراع بين المهدي والعلماء) الذي صدر له شيخ المؤرخين مكي شبيكة بقوله: (وجدت فيه مسلكا علميا وتحليلا بلغ درجة قصوي من الاتقان.)
اما فيما يتعلق بالنقطة الثانية (او مايعرف بمذبحة المتمة) فإن الاخ من الله يسميها (حادثة عبد الله ود سعد) ويرى انها اعطيت بعدا قبليا لان الباحثين والاكاديميين من حيث لايشعرون يكررون ادعاء مخابرات المحتل في هذا الموضوع. وبما انه قطع برايه فيه فليس علينا إلا ان نطالبه بالأدلة التي هدته الى هذا الرأي وان ندعوه الى الاطلاع على مايخالف هذا الراي من روايات شفهية موثقة مبذولة في الشبكة الدولية للمعلومات كما ندعوه الى فحص ما تناوله د.احمد ابراهيم ابو شوك في كتابه: (السودان السلطة والتراث).
ختاما اود ان اتفق مع الاخ من الله على ان التحامل تجاه احداث التاريخ امر خطير ينفي عن فاعله النزاهة والورع والامانة العلمية مثلما ان الانحياز تجاهها مدعاة للامتعاض والرفض والاستنكار.
*عبدالله حميدة

[email protected]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى