الرأي

ماذا تُريد حركة الإسلام السياسِي من السُودان؟! (2/2)

نضال عبد الوهاب

تناولنا في الجزء السابق -بناء على التجربة العملية في الحُكم والحياة العامة في السُودان- ظاهرة حركة الإسلام السياسِي، وأكدنا على أهمية دراستها والوقوف عندها وإيجاد وسائل للتعامل معها، بحسبان أنها تمثل خطراً حقيقياً على كُل الدولة السُودانية حاضرها ومستقبلها.

وكتبنا أن حركة الإسلام السياسِي في السُودان -تاريخياً وحتى اللحظة وبكل مُسمياتها- لها سمات مُشتركة وأساسيات في المنهج وطريقة التفكير وأساليب في ممارسة العمل السياسي، من أهم هذه الوسائل:

١/ الغاية تُبرر الوسيلة.

٢/ التزام أسلوب العنف كنهج دائم في حل خلافاتها السياسية والوصول لأهدافها.

٣/ أنها ترفض بطبعها جوهر الديمُقراطية، وتعمل على فرض رأيها فقط، وتُقصي الآخرين، أو تجعل دورهم ثانوياً.

وأكدنا على أن أسلوب العُنف موجود في طريقة التفكير والعقل السياسي لهذه الحركة المُسماة “إسلامية”، ومنتشر في أدبياتها وفتاويها وطريقة إدارتها. وكتبنا أن العنف لا يتلاقى مع الديمُقراطية وسقفها برغم اتساعه. إذ إن من أهمّ الشروط فيها هو عدم مُمارسة وانتهاج العُنف، وأن القوانين الحديثة والعالمية التي تُصنف وتعرّف الإرهاب تربط مُمارسة العنف خاصة ضد الأبرياء به. ولا يختلف اثنان على أن مسيرة حركة الإسلام السياسِي في السُودان وحتى في غيره من كل الذين ينتمون لمدرسة “الإخوان المسلمين” و”الحركات التكفيرية” مليئة بالعُنف بكل صنوفه، والقتل وسفك الدماء، والتعذيب والإيذاء. لهذا، فإن وجود جماعة أو حركة سياسية أو حتى دعوية يكون نهجها مرتبطاً بممارسة العُنف، فهي لا مكان لها في الدولة الديمُقراطية وفقاً لقوانينها وشروطها، وضربنا هذا بأمثلة النازية والفاشية والقاعدة وداعش.

لم تتم في السُودان أي مُراجعات حقيقية وجوهرية ومؤسسية وتنظيمية لحركة الإسلام السياسِي تبعاً لتجربتها الطويلة في الحُكم ووجودها في الحياة العامة، ولم يثبت أنها أدانت نفسها وقبلت بمبدأ المُحاسبة وتحقيق العدالة حولها كشرط آخر لازم من شروط مُمارسة الديمُقراطية. بل إنها -ومن خلال ما اتبعته من أساليب وأفعال وتصريحات لقياداتها- ظلت ترفض وبشدة مبدأ المُحاسبة، وتستنكر توجيه أي اتهامات لقياداتها وكوادرها ممن أجرموا وأفسدوا فساداً ظاهراً، واستغلوا مواقعهم في السُلطة وحولها في ذلك. وظلت تقاوم بقوة وعنف أي طريق يؤدي لمُحاكمتها من مظالم، ورد ما سرقوه من أموال وفساد كبير باعتراف شيخها، د. حسن الترابي، وغيره من قيادات. بل ومن داخل اجتماعاتهم التنظيمية، وفي مؤتمر شورتها الذي كان يجمع كل قياداتها الأساسيين، والذي تم توثيقه، وفيه وفي غيره اعترافات صريحة بالسرقة والنهب من مال الدولة والتربح والثراء الحرام، والقتل والتعذيب، وغيرها من الموبقات وأساليب العنف والإجرام. فكيف لجماعة وحركة تقوم بكل تلك الجرائم وتعترف وتشهد على نفسها بذلك، ثم تأتي لترفض مُحاسبة منسوبيها، وتطالب دون حياء بالبيّنات والأدلة، أو تقول لنا مارسوا معنا شعار “عفى الله عما سلف” ثم دعونا نشارككم إدارة البلاد من جديد وبناءها ديمُقراطياً؟!

هذا محض “استغفال للعقول” ليست له أي علاقة بثورة “عظيمة” مُهرت بتضحيات غالية جداً من أجل التغيير الحقيقي وإقامة العدالة، في هذا البلد الذي عاثت فيه هذه المجموعات من حركة الإسلام السياسِي وحلفاؤها فيه كل أنواع الفساد والظُلم والجريمة والقهر لشعبنا، حتى حق علينا أن نتساءل وبعد كل تجربتهم هذه في الحُكم وخارجه: ماذا تُريد حركة الإسلام السياسِي من السُودان؟! و أي درّك تُريد أن توصلنا إليه؟!

في الحاضر الآن، ليس من العقل والمنطق محاولة الوصول لتسويات أو شراكة مع مثل هذه الحركة أو مع فصيل منها “المؤتمر الشعبي”، والإتيان به في صفوف الثورة وهياكل السُلطة الانتقالية القادمة بحجة أنه يرفض الانقلاب الحالي، وهم في الحقيقة الذين أتوا بالنظام السابق نفسه ثم صالحوه وشاركوه إلى أن سقط، ثم مارسوا كل أنواع التآمر والتخريب أثناء الفترة الانتقالية التي كانوا هم أول من توعدوا بإسقاطها عندما لم يتم إشراكهم في هياكلها الأولى بأسباب ثورية ومنطقية جداً. فرفضوا واستنكروا رفض الشعب لهم وإخراجهم من السُلطة، هم لا يُريدون الفكاك منها وفقدان ما نهبوه وأثروا من مال وثروات الدولة والشعب، ليُفارقوا تمكينهم الاقتصادي والعسكري وامتيازاتهم.

إن حركة الإسلام السياسِي في السُودان ليست أمراً واقعاً لكي يتم فرضها على السُودانيين من جديد وإعادتهم بمسمى “التسوية” والحل السياسِي كما يعتقد البعض، حتى من بين الذين يعتبرون أنفسهم جزءاً من الثورة ويتحدثون باسمها صباح مساء. ليس لفصيل أساسي منها شارك في العديد من الجرائم وانتهج العُنف ومارسه وشارك توأمه “المؤتمر الوطني” حتى لحظة سقوطهما معاً، أن يكون له موقع قدم بعد ثورة لا تزال تتواصل ليتعافى السُودانيون من كُل آثار خرابها ويستردوا وطنهم وحريتهم فيه، ويقيموا العدالة ويتساوى الجميع. لا يُعقل أن يشارك في فترة انتقالية ذات الذين قامت الثورة ضدهم وضد منهجهم وسياساتهم، وضد رغبة شعب بأكمله ما عداهم رفض وجودهم وحلفائهم والمنتفعين منهم في السُلطة.

إن انقلاب ٢٥ أُكتوبر هو امتداد لنظام الحركة الإسلامية بنفس آلياته وكوادره وسياساته، فالشعب السُوداني الذي فجرّ أعظم ثورة ضد حركة الإسلام السياسِي وسُلطته يعي تماماً من هو المؤتمر الشعبي وفصائل الحركة الإسلامية، ومن يتلونون منها وبكوادرها المعلومة لشعبنا. والمؤتمر الشعبي نفسه يمكن وبكل بساطة أن يتسلل إليه كل أو أغلب كوادر “توأمه” في المؤتمر الوطني ومُجرميه وبقية فصائله، وليس لأحد أن يمنع ذلك، فنفتح لهم طريق السُلطة مُجدداً خاصة في سيناريو متوقع لفترة انتقالية في وجودهم ومباركتهم لا تغيير فيها، و”مُختصرة”، ثم انتخابات شائهة وصورية وغير عادلة، و أشبه بالمُبكرة.

ختاماً، إنّ الذين يرهنون مصالح ومستقبل السُودان، ويساومون على أهداف ثورته وتضحياتها إرضاءً لذواتهم ومصالحهم، وتعلية لمصالح الخارج، عليهم مراجعة أنفسهم والتوقف عن السير في هذا الاتجاه. فالصحيح أن تأتي مصلحة شعبنا أولاً والانتصار لثورته والتعظيم والوفاء لتضحياتها، والصحيح ربط مصالح الآخرين في الخارج والإقليم مع هدف شعبنا العادل ومطالبه في العدالة والحرية والديمُقراطية الحقيقية والسلام والعيش الكريم، وليس العكس، بربطنا بمصالح الخارج والإقليم. إذا أراد المجتمع الدولي مُساندتنا حقيقةً وفقاً لأهداف ثورتنا ونُصرة شعبنا فمرحباً بهذه المُساندة، أما إذا أراد فرض ذات من ثُرنا ضدهم وضد مشروعهم وسياساتهم وشخوصهم، فنقول ودون أي مواربة: لا، وستستمر ثورة شعبنا مهما عظُمت التضحيات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى