الرأي

لم نرض بالترييف فأتانا الإغلاق

بروفيسور مهدي أمين التوم
لم يدهشني ما ورد من سخف فلولي في المؤتمر الصحفي الذي نظمته أمس ما تُسمى بالإدارة الأهلية في ولاية الخرطوم.. الذي أدهشني فعلاً هو كمية الشراتي والأمراء و العُمَد القبليين الذين يمارسون سلطاتهم القبلية داخل مراكز الخرطوم الحضرية، بل وتصل بهم الجرأة ويقرروا، على مرأى و مسمع من سلطات الأمر الواقع، المركزية والولائية، إغلاق ولاية الخرطوم عنوة يوم الأربعاء القادم الموافق 5 أبريل 2023 ، إحتجاجاً علي الإتفاق الإطاري!!!
وكل المتحدثين الذين تسابقوا للحديث في المنصة، لم يقدم أي منهم نفسه علي أنه سوداني أو أنه خرطومي، بل جاؤوا ، علي كثرتهم ، مُعَرِّفين أنفسهم بقبائلهم وبرتبهم الإدارية القبلية …كان الأمر ، مع عَوَاره السياسي، ووضوح إنتماء عناصره لعهد الإنقاذ البائد، ومع عدم إختفاء أصابع برهانية في تنظيمه لشيء في نفس يعقوب، كان فيه تأكيد عملي لظاهرة الترييف الحضري و ما يتمخض عنها بالضرورة من تغيرات ما كنت أظنها تصل حد التحدي والجرأة علي سلطات الحكم المركزي بالصورة التي بدت في ذلك المؤتمر التلفزيوني.
ذكرني هذا الموقف بفقرة في مقالة لي سابقة بعنوان (أحلام قبل الرحيل الأبدي) نشرتها قبل تسع سنوات في عام 2014 م، جاء فيها :
“أحلم بزوال عهد الترييف الذي نعيشه حالياً في العاصمة وكل مدن السودان الرئيسية بسبب الهجرات غير المنظمة و غير التدريجية للمدن و التي أحدثتها ظروف طبيعية وسياسية خارجة عن إرادة المهاجرين. و كالمشكلة ليست في الهجرة، فكلنا أبناء و أحفاد مهاجرين، بالذات للعاصمة، لكنها كانت في الماضي هجرات محدودة و تدريجية مكَّنت القادمين من إستيعاب روح المدينة و إلتزاماتها، فذابوا في المدينة، و أصبحوا جزءًا من الكيان الحضري.. لكن سنوات الجفاف والتصحر، و صراعات الهامش والمركز جعلت الرحيل للعاصمة بالذات مهرباً لا مناص منه، ولم يجد المهاجرون الجُدُد الوقت الكافي لإستيعاب متطلبات المدينة، والتأقلم عليها ، فأنشأوا لأنفسهم مجتمعات قروية في قلب المدينة وحواريها وأزقتها، ومارسوا ما كانوا عليه في قراهم وبواديهم من ثقافات وعلاقات، وانعكس كل ذلك في ظاهرة الترييف التي طغت علي العاصمة وغيرها من المراكز الحضرية، فتدهور الحال، وانحطت البيئة الحضرية بدل أن تتقدم بنفسها وبالقادمين إليها زرافات ووحدانا ، وتراكمت النفايات، وأصبح الجيران لا يعرفون بعضهم البعض، وأصبحت السلوكيات العامة لا يربطها إطار جمعي متفق عليه، وهاجت المدينة وماجت بشكل يجعل عودة المدينة لطبيعتها الحضرية أحد أحلام ما قبل الرحيل الأبدي..”
لكن هيهات العودة… فالقوم لم يكتفوا فقط بترييف العاصمة وممارسة سلطاتهم القبلية علي رعاياهم في ربوعها، بل يريدوا أن يكونوا سلطة حكم موازية في عاصمة البلاد فها هم بكل جرأة وعبر أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة يتحدون الكل، حكومة وشعباً، ويقررون إغلاق كل مداخل العاصمة عنوة في حركة تجسِّد مقولة (الخرطوم دي حقت أبو منو)، التي أطلقها يوماً أحد الغزاة الذين ينطبق عليهم تساؤل أديبنا الطيب صالح ك: من أين جاء هؤلاء، وأضيف إليه: إلى أين يسوقنا هؤلاء؟
ولك الله يا وطني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى