الرأي

لماذا ضاق الانقلابيون ذرعاً بالبعثة الأممية؟

تصريحات مثيرة للاهتمام خرجت مؤخراً من وزير المالية (الإخواني) جبريل ابراهيم في مؤتمر صحفي، وصف فيه رئيس البعثة الأممية (فولكر بيرتس) بـ(تخانة الجلد)، وقال جبريل أن رئيس بعثة (يونيتامس) طرف غير محايد، وبالتالي لا يمكن أن يكون وسيطاً، ويجب أن يرحل. ومضى جبريل للقول أن (فولكر) أخذ أكبر من حجمه، وصار يقابل الرئيس والمسؤولين في أي وقت، وهو ما لا يجب بحسب الوزير. ومن هذا الهجوم الحاد يتضح بجلاء أن الإخوان حلفاء عسكر الانقلاب قد ضاقوا ذرعاً بالبعثة الأممية، لجهة خططها في استعادة الوضع الانتقالي، والتي تتعارض تماماً مع خطط الإخوان الانقلابيين في محاولة تحويل السودان إلى غرفة مظلمة، يسهل فيها السرقة والفساد والانتهاكات، كما كان يحدث إبان حكمهم المُباد في تسعينيات القرن الماضي.

رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان، فولكر برتيس

حكم الإخوان السودان لثلاث عقود منذ انقلابهم في الثلاثين من يونيو للعام (1989)، وخدعوا السودانيين وغيرهم بارتداء ثوب النظام العسكري غير المنتمي سياسياً، إلى أن فاحت رائحتهم من خلال شعاراتهم المتطرفة، وانحيازاتهم المعلنة للارهاب، واستضافة المطلوبين جنائياً في دولهم على خلفية اتهامات بالإرهاب. وفتحوا بيوت الأشباح للمعارضين، فمات الكثيرون جراء التعذيب وأعدموا عشرات العسكريين غير الموالين لهم بلا تهمة، وفي بعض الحالات لمجرد الاشتباه. وعلى صعيد العلاقات الخارجية عادى الإخوان القريب والبعيد، وحاولوا تغيير أنظمة بعض دول الجوار بالقوة مثل أرتريا ومصر، في محاولة اغتيال الرئيس المصري الراحل بأديس أبابا، التي لم يستطيعوا دفع ثمنها، فقايضوها بأراض سودانية استغنوا عنها بسهولة، وفي زهد من لا يملك ليداروا سوأتهم، فلا أرض حفظوا، ولا حصلوا على صك براءة، من التهم المنسوبة إليهم.

وكرد فعل على سياسات الإخوان تم اتخاذ إجراءات (عقابية) ضد السودان من بعض الدول والمؤسسات المالية الدولية، لم يعرها الإخوان اهتماماً، حتى صارت البلاد في حالة تشبه الحصار. لكن الإخوان لم يرف لهم جفن، بل استفادوا أيما استفادة من ذلك المناخ في تلك السنوات، وأمنوا شر التعامل مع هذه المؤسسات المالية، والتي تتطلب الشفافية وكشوفات الحساب، ما يكشف بالضرورة حجم الفساد الهائل، الذي كاانوا يديرون به أمور الدولة. وعلى الرغم من استخراج النفط في تلك التسعينات المشؤومة، فقد عجزت إيراداته أن تشبع جوع الفساد، ونهم الإخوان لسرقة المال العام. وتدهورت الحالة المعيشية للمواطن بشكل غير مسبوق. ما أدى في وقت لاحق لاندلاع هبة سبتمبر المجيدة في العام (2013) احتجاجاً على التضييق في الحريات، والضائقة المعيشية، وغلاء الأسعار، والتي قتل فيها (208) مواطناً برصاص مليشيات الإخوان في ذلك الوقت.

يريد إخوان الانقلاب وعلى رأسهم وزير المالية جبريل ابراهيم رحيل البعثة الأممية عن السودان لتعطيل دورها الرقابي على الوضع الراهن، ودورها في التذكير كذلك بضرورة التوصل إلى حل ما ينهي الأزمة، باستعادة الوضع الانتقالي، والقيام بمهام الفترة الانتقالية، لتنهتي بانتخابات حرة ونزيهة. لكن ليس للإخوان غرض فيها ولا نية. كونها وبالمعطيات الحالية، لا تعني سوى نهاية للإخوان في السودان، وربما لفترة طويلة من الزمن. ويريد وزير المالية (الإخواني) جبريل ابراهيم عُزلة السودان، ظناً منه أن عقارب الساعة حينها ستعود إلى تسعينات القرن الماضي، حين أخذ منسوبي الإخوان القروض المليارية من البنوك بضمان إيمانـ(هم) بالله سبحانه وتعالى!! وابتدعوا مفهوم (القرض الحسن)، ففرقوا الأموال على إخوانهم دون حساب. يحاول إخوان الانقلاب صناعة وضع شبيه بوضع السودان في ظلمة صباح الثلاثين من يناير من العام (1989)، يدفعهم خوفهم من دفع ثمن ما اقترفت أيديهم من جرائم فساد تجاه المال العام منذ الانقلاب الأخير، في الخامس والعشرين من أكتوبر من العام الماضي. يريدون أن يعيدوا السودان لعهوده المظلمة إبان حكمهم ليأمنوا العقاب أولاً، وليستمر فسادهم دون رقيب. يخافون أن يعود الوضع الانتقالي بأي شكل من الأشكال، لأنهم لا يستطيعون العيش تحت نظام تتحقق فيه قيم العدالة، والرقابة على المال العام، واعتماد الشفافية. لكنهم يغفلون العامل الأهم في المعادلة، وهو أن السودان لم يعد هو سودان الثمانينات، قبل أن يختبر السودانيون حكم الإخوان. حفظ الله السودان وشعب السودان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى