تقارير

كرتي في الجزيرة .. ما وراء ظهور (رأس الفلول)

تقرير – القسم السياسي
في الوقت الذي دخلت فيه العملية السياسية مرحلتها النهائية، واضعة اللمسات الأخيرة للتوقيع على الاتفاق النهائي لإنهاء انقلاب 25 أكتوبر، بدأ ظهور قيادات الصف الأول لفلول النظام البائد، وهم يخرجون علناً مظهرين حالة تماسكهم أمام عناصرهم وأنصارهم، بغرض عرقلة الحل السياسي والذهاب بالبلاد إلى مربع الفوضى والحرب الأهلية.
برزت إلى السطح مجدداً شخصية (علي كرتي) الرأس المدبر للفلول، ليخرج مؤخراً في لقاء جماهيري بولاية الجزيرة، حاملاً رسائل يؤكد من خلالها اصطفاف الفلول واستعدادهم لاستلام البلاد، وقد باتت هذه الرسائل تلوح بالمواجهة التي تهدف لاندلاع حرب مجتمعية طاحنة للسيطرة مجدداً على مقاليد الحكم وإجهاض ثورة السودانيين.
ظهر كرتي السبت الماضي في حشد ضم قيادات الحزب المحلول بمنطقة (بدينة) شرقي ولاية الجزيرة، والتي أعلن فيها تجديد التزام الفلول على ترتيب صفوفهم من أجل إسقاط العملية السياسية والعودة من جديد لحكم البلاد.
قال كرتي في ظهوره إن ما حدث في العام 2019 ما هو إلا انقلاب ضد حكومة منتخبة قادته أحزاب (تتمشدق) بالديمقراطية، مشيراً إلى أن تلك الأحزاب اتخذت كافة الوسائل لتشويه صورة الإسلاميين، وإنها أحدثت تدميراً ممنهجاً لما حققته الإنقاذ دون أن تضيف إليه.
ظل سكان منطقة (بدينة) وما جاورها من مناطق أخرى يعانون من المدارس المتهالكة لأبنائهم الذين يجلسون في فصول في العراء طوال العقود الثلاثة الأخيرة، بسبب إهمال حكومة كرتي الذي ظهر في نفس المنطقة بالوعود الكاذبة لسكانها، الأمر الذي يخلق سؤالاً: لماذا جاء ظهور كرتي في هذا التوقيت بالتحديد، بالتزامن مع اقتراب الوصول إلى اتفاق نهائي بين القوى المدنية وقادة الانقلاب، ومن يقف وراء حمايته؟
تخريب المشهد
حذرت قوى الحرية والتغيير من تحركات لمجموعة فلول النظام البائد بقيادة علي كرتي لتخريب العملية السياسية، من خلال بث خطاب الكراهية وإثارة الخلافات بين القوات العسكرية.
وقالت، إن مجموعة علي كرتي تغذي الصراع بين الأجهزة العسكرية لأنها تحاول أن تستعد لخلق فوضى شاملة داخل الدولة، وإن هناك معلومات مؤكدة لديهم عن إعادة الدفاع والأمن الشعبي لترتيب أوضاعهم بخصوص هذا الأمر، لذلك يجب الانتباه للشائعات التي تنطلق حول الصراع العسكري، مشيرة إلى أن الفوضى التي يخطط لها الفلول يعتبرونها فرصتهم الوحيدة لمحاولة استعادة السلطة.
في هذا الصدد، يقول القيادي الشاب بقوى الحرية والتغيير، عروة الصادق، لـ (الديمقراطي)، إن كرتي لم يظهر من تلقاء نفسه، وإنما هو كرت يتم إظهاره والمناورة به كلما حزم الأمر وتقاربت الخطى نحو استعادة السلطة المدنية.
يضيف عروة، إن كرتي ما يزال يحاول إحباط الثورة وإتيانها بالمؤامرات، فظل يعمد ويعمل على تهديد الاستقرار في البلاد، ويحظى بحماية وحراسة العسكر طوال الفترة الانتقالية.
ويرى القيادي بالحرية والتغيير، شهاب إبراهيم، في حديثه لـ (الديمقراطي)، أن ظهور كرتي جاء بعد فشل محاولاته لخلق مبادرة باسم الطيب الجد، ويحاول الآن الظهور لتقديم الدعم المعنوي للفلول من أجل تعطيل العملية السياسية والتأكيد على أنهم موجودون ولا يمكن تجاوزهم، لكنها مجرد محاولات يائسة في ظل تقدم كبير للعملية السياسية، وبات الوصول إلى حل مسألة من الوقت .
بينما يقول المحلل السياسي، د. بكري الجاك، في حديثه لـ (الديمقراطي)، إن ظهور كرتي ليس بجديد، هو لم يغب عن المشهد، بل ظل يتحرك من خلف الكواليس منذ وقوع انقلاب 25 أكتوبر الذي عمل من بعده على ترتيب الصفوف لتحالف المال والسلطة لحركته، إلى جانب عملية إعادة إحلال الإسلاميين في السلطة مرة أخرى.
ويمضي الجاك قائلاً: “كل الترتيبات التي كانت تجري في مكتب البرهان ومجلس السيادة بشأن الانقلاب كانت بإيعاز من كرتي نفسه الذي بدأ يشعر بالاطمئنان حينها، خصوصاً بعد الدعم المصري الذي وجده، إلى جانب عمله في بناء تحالف مع الشرق، الأمر الذي يشي بأن ليس هنالك كلفة سياسية أن يظهر في العلن ويتحدث”.
أما الصحفي والمحلل السياسي، شوقي عبدالعظيم، فيقول إن هذا أفضل توقيت بالنسبة لكرتي في الظهور ليطمئن قواعدهم من الإسلاميين على أنهم موجودون ومتحركون، إلى جانب محاولته في سباق الزمن لئلا تنتهي العملية السياسية التي ستجعل من الصعب ظهوره مجدداً حال انتهى الانقلاب.
يضيف شوقي لـ (الديمقراطي) أن ظهور كرتي في حد ذاته ليست لديه أي قيمة، ولن يكون لديه تأثير كبير، وسيكون مصيره مثل مصير إبراهيم غندور وأنس عمر اللذين كان في انتظارهما بقية الفلول، وبعد إطلاق سراحهم لم يكن لديهم أي تأثير، وهذا يرجع إلى أنهم ليس لديهم جمهور وقوى حقيقية، وأنهم مرفوضون من قبل الشارع السوداني .
تزامن ظهور كرتي بولاية الجزيرة مع انعقاد مؤتمر حزبه (حركة المستقبل للإصلاح والتنمية) الأربعاء الماضي بقاعة الصداقة، الذي أصبح بمثابة انطلاق حملة دعائية مزدوجة ومتزامنة يقودها جناحا الحركة الإسلامية – الجناح العسكري والمدني، في ذات الوقت .
ينظر الصحفي والمحلل السياسي، الجميل الفاضل، إلى أن مما يعزز فرضية دعم قادة الجيش لاستعادة الحركة الإسلامية أدوارها السياسية، هو سماح السلطات الانقلابية لحركة كرتي بتدشين نشاط ذراعها السياسي الحزب المُستنسخ عن حزب (المؤتمر الوطني) المحظور .
وكان قد ظهر كرتي لأول مرة في مايو الماضي على قناة طيبة الفضائية التي قال من خلالها، إنهم في الطريق إلى تطبيع الأوضاع عامة من أجل إخراج الفلول من ما أسماه (الحالة الاستثنائية).
يذكر أن كرتي هو رأس الحركة الإسلامية وتنظيم الحزب المحلول الذي ظل يقتني من المال العام طوال حكومة المخلوع، وتلاحقه السلطات بعدة تهم تشمل المشاركة في تدبير الانقلاب العسكري ضد الحكومة المنتخبة في 1989، بجانب اتهامات أخرى في قضايا فساد. وما زالت بلاغاته في مكاتب النيابة العامة التي حتى الآن لم تحرك ساكناً في عملية البحث عنه، واتخاذ إجراءات قانونية في مواجهته.
وكان قد حاول قادة الانقلاب في غضون أيام ماضية عملية البحث لإيجاد مقاربة، تُمكَّنُ الحركة الإسلامية بزعامة علي كرتي من الحصول على موطئ قدم أياً كانت مساحته وحجمه في الفترة الانتقالية المرتقبة، والتي دخلت بالفعل عملية التأسيس لها المراحل النهائية تحت وطأة ضغط دولي متنوع وكثيف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى