كارثة اتفاق جوبا
أولا: اوضحنا عند توقيع اتفاق جوبا أنه لن يحقق السلام المستدام، لأنه سار على نهج نظام الانقاذ في الانفاقات الجزئية التي فشلت في تحقيق السلام العادل والشامل، وأعادت انتاج الأزمة والحرب، وتحولت لمحاصات ومسارات فجرت مشاكل وصراعات قبلية وعنصرية في شرق وشمال ووسط السودان، وتنكر موقعوها لشعارات ازالة التهميش، وحل مشاكل جماهيرهم، وتوفير ابسط الخدمات لهم وعودتهم لمناطفهم وتعويضهم وتعميرها والمحاسبة. الخ.
جاء اتفاق جوبا، بعد اختطاف المكون العسكري لملف السلام من مجلس الوزراء، وكان الهدف منه اجهاض ثورة ديسمبر والانقلاب عليها، وعدم تحقيق أهدافها ومهام الفترة الانتقالية، بل كان من ضمن البنود تحت الطاولة التي كشف عنها مني اركو مناوي: عدم تسليم البشير للجنائية، تجاهل التحقيق في مجزرة فض الاعتصام، عدم قيام التشريعي، .الخ.
كما اصبحت بنوده تعلو على “الوثيقة الدستورية ” في غياب المجلس التشريعي الذي يحق له تعديلها، حتى تكوين مجلس شركاء الدم، ومشاركة قادة حركات جوبا في جريمة انقلاب 25 اكتوبر الدموي، الذي اعاد التمكين.
وبعد الانقلاب استمروا في السلطة الانقلابية وتحملوا كل اوزارها رغم الانقلاب على الثورة !!، بل ساهمت قواتهم في قمع المواكب السلمية والمجازر ضد الثوار، وفي مناطق الحروب.
كما تدهورت الاوضاع الأمنية في دارفور وجنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان بعد اتفاق جوبا، وبمشاركة قادة جوبا في تلك المجازر، ونهب الاراضي والمعادن والذهب والحواكير بالابادة الجماعية، وفشل الاتفاق في تحقيق السلام العادل والشامل، بل ساهمت مكوناته في الفوضي ونهب ممتلكات اليوناميد، والفساد الذي ازكم الانوف والمنشور في الصحف، وتحول لمحاصصات وجبايات لمصلحة افراد محددين، ارهقت كاهل المواطنين، ولم تعود تلك الأموال لمناطق الحروب في التنمية وعودة النازحين لقراهم واعمار مناطقهم.
اضافة لعدم المحاسبة وتسليم المطلوبين للجنائية، والمطالبة بحل المليشيات والجنجويد، بل شاركوا في نهب الاراضي والموارد، كما في مخطط جبريل ابراهيم لتحويل مشروع الجزيرة الى هيئة، ومشاركتة في صفقة الميناء على البحر الأحمر في غياب المؤسسات التشريعية القومية والولائية بالشرق وفي ظل حكومة انقلابية غير شرعية.
كل ذلك يتطلب درء آثار كارثة اتفاق جوبا وفساد قادته الذي ازكم الانوف، بتقوية وتوسيع المقاومة لاسقاط الانقلاب وانتزاع الحكم المدني الديمقراطي، والغاء اتفاق جوبا الشائه، وتحقيق الحل الشامل والعادل في السلام الذي يخاطب جذور المشكلة.
ثانيا: بهذه المناسبة نعيد نشر هذا المقال الذي نُشر في الصحف والمواقع بتاريخ:
13 / 11/ 2020، بعد التوقيع على اتفاق جوبا بعنوان “اتفاق جوبا هل يجد طريقه للتنفيذ؟
اشرنا سابقا الى أن اتفاقية جوبا كرّست الانقلاب الكامل على “الوثيقة الدستورية”، ولم تتم اجازتها بطريقة دستورية، أي بثلثي التشريعي كما في الدستور، بل تعلو بنود الاتفاق على “الوثيقة الدستورية ” نفسها، كما قامت على منهج السلام الذي حذرنا منه، والذي قاد لهذا الاتفاق الشائه الذي لن يحقق السلام المستدام، بل سيزيد الحرب اشتعالا قد يؤدي لتمزيق وحدة البلاد، مالم يتم تصحيح منهج السلام ليكون شاملا وعادلا وبمشاركة الجميع، اضافة للسير في الحلول الجزئية والمسارات التي تشكل خطورة علي وحدة البلاد، والتي رفضها أصحاب المصلحة أنفسهم، والسير في منهج النظام البائد في اختزال السلام في محاصصات دون التركيز على قضايا مجتمعات مناطق الحرب من تعليم وتنمية وصحة وإعادة تعمير، وخدمات المياه والكهرباء وحماية البيئة، وتوفير الخدمات للرحل والخدمات البيطرية، وتمّ إعادة إنتاج الحرب وفصل الجنوب، من المهم الوقوف سدا منيعا لعدم تكرار تلك التجارب.
1. وقّع النظام البائد اتفاقات كثيرة مع قوي المعارضة والحركات المسلحة، وكان من الممكن أن تفتح الطريق لمخرج من الأزمة، ولكنه تميز بنقض العهود والمواثيق، وافرغ الاتفاقات التي وقعّها من مضامينها، وحولها إلي مناصب ومقاعد في السلطة والمجالس التشريعية القومية والولائية تحت هيمنة المؤتمر الوطني مثل:
– الاتفاقات مع مجموعة الهندي من الاتحادي، جيبوتي مع الأمة والتي أدت إلى انشقاق حزبي الأمة والاتحادي.
– مجموعة السلام من الداخل التي انشقت من الحركة الشعبية.
– اتفاقية نيفاشا والتي كانت نتائجها كارثية أدت الى تمزيق وحدة السودان، بعدم تنفيذ جوهرها الذي يتلخص في: التحول الديمقراطي وتحسين الأحوال المعيشية، وقيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية بحيث تجعل كفة الوحدة هي الراجحة في النهاية، وكانت النتيجة انفصال الجنوب.
– اتفاق القاهرة مع التجمع الوطني الديمقراطي.
–اتفاق ابوجا مع مجموعة مناوي.
– الاتفاق مع جبهة الشرق.
– اتفاق التراضي الوطني مع حزب الأمة.
– اتفاق نافع– عقار.
– اتفاق الدوحة.
– حوار الوثبة الأخير الذي تحول لمحاصصة ومناصب.
لم تؤت تلك الاتفاقات أُكلها، وأصبحت حبرا على ورق. ولم تّغير من طبيعة النظام وخصائصه القائمة على التعبير عن مصالح الرأسمالية الطفيلية والقهر والنهب والتفريط في السيادة الوطنية وعقليته الاقصائية والشمولية حتى لو كان على حساب وحدة الوطن، إضافة لمواصلة التنكر لوثيقة الحقوق في دستور 2005م التي كفلت حرية التعبير والتجمع والتظاهر السلمي، من خلال التعديلات التي كرست لحكم الفرد المطلق، وقمع المواكب وفتح النار عليها، كما حدث في موكبي البجا في شرق السودان، وأبناء كجبار، مما أدى لقتلى وجرحى، اضافة للقمع الوحشي لمواكب سبتمبر 2013 وهبة يناير 2018، وثورة ديسمبر 2018، وانتفاضات والشباب والطلاب وقوى المعارضة والنساء والعمال والمزارعين ومتضرري السدود والتعدين العشوائي والأطباء.. الخ، ومصادرة الصحف وإعتقال الصحفيين ومنعهم من الكتابة، وإجراء تغييرات شكلية في النظام عن طريق التضحية ببعض الفاسدين دون تغيير طبيعة النظام.
2. خلاصة الأمر، ما كان متوقعا بحكم تلك المصالح الطبقية الضيقة أن يستجيب النظام لدعوات الحوار الجاد والتحول الديمقراطي، واستمرت المقاومة الجماهيرية حتى اندلعت ثورة ديسمبر التي أطاحت برأس النظام، لكن اللجنة الأمنية للنظام البائد قطعت الطريق أمام وصول الثورة لأهدافها في الحكم المدني الديمقراطي، وهيمنت علي مفاصل السلطة بعد التوقيع على “الوثيقة الدستورية” كما في الجيش وتقنين مليشيات الدعم السريع دستوريا، وتعيين وزيري الدفاع والداخلية، ووجود 5 من العسكريين في مجلس السيادة، والسيطرة على الأمن والشرطة بحجة المحافظة على الأمن الذي فشلت فيه، كما حدث في شرق وغرب السودان، والقمع الوحشي للمواكب والتجمعات السلمية التي بلغت قمتها في مجزرة فض الاعتصام.
اضافة للابقاء على مصالح الرأسمالية الطفيلية والدفاع عنها، والابقاء على شركات الجيش والأمن والدعم السريع، وشركات المحاصيل النقدية والذهب والبترول والاتصالات والماشية خارج ولاية وزارة المالية، والسير في سياسة النظام البائد القائمة علي رفع الدعم وتخفيض الجنية السوداني والخصخصة ورفع الدولة يدها عن التعليم والصحة، مما أدى لموجة من الغلاء وارتفاع الأسعار فوق طاقة الجماهير. هذا فضلا عن السيطرة على الإعلام الذي ما زال في قبضة عناصر النظام البائد، والبطء في تفكيك التمكين.
كما تم الإبقاء على التحالفات العسكرية الخارجية ووجود السودان في محور حلف حرب اليمن.
وتم الابقاء علي القوانين المقيدة للحريات واستمر القمع الوحشي للتجمعات والمواكب السلمية في خرق فاضح ل”لوثيقة الدستورية” التي كفلت حق الحياة والتجمعات والمواكب السلمية.
بالتالي، بحكم الطبيعة الطبقية لانقلاب اللجنة الأمنية الذي يعبر عن مصالح الرأسمالية الطفيلية والذي أعاد إنتاج سياسات النظام البائد القمعية والاقتصادية وتحالفاته العسكرية الخارجية، ونقض العهود والمواثيق، كما في الانقلاب على “الوثيقة الدستورية”، والمتحالف مع بعض عناصر البورجوازية الصغيرة التي شكلت ديكورا لحكم العسكر، والمرتبطة بتنفيذ سياسات صندوق النقد الدولي والليبرالية الجديدة التي تدافع عن سياسة اقتصاد السوق والتطلع للثراء، والوقوف ضد الجماهير الكادحة والتبرير لممارسات اللجنة الأمنية وقوات الدعم السريع.
نقول بحكم تلك المصالح الطبقية، لا نتوقع سلاما شاملا وعادلا يخاطب جذور المشكلة، بل نتوقع الاستمرار في نقض العهود والمواثيق وعدم تنفيذ اتفاقية جوبا نفسها، والعض بالنواجز على المناصب والمحاصصات التي تعيد إنتاج الصراعات والحروب من جديد.