صفحات متخصصةقضايا شبابية

قضايا شبابية/ هجرة الشباب.. رحلة البحث عن المستقبل

هجرة الشباب.. رحلة البحث عن المستقبل

أصبحت هجرة الشباب في الآونة الأخيرة؛ أشبه بالظاهرة، ويغادر البلاد سنوياً آلاف الشباب في رحلة البحث عن وضع اقتصادي أفضل، أو من أجل الدراسة والعلوم، أو بسبب الحروب أو لعدم إيجاد العمل المناسب الذي يُوفر مقومات الحياة الكريمة، ومن اللافت إصرار الشباب على الهجرة رغم المخاطر والأهوال المحيطة بالرحلة، خصوصاً الهجرة غير الشرعية أو ما يسميها الشاب بـ(السُمبك).

استطلاع ـــ محمد حسبو

البحث عن فُرص

تقول رنا عبدالقادر محمد، وهي خريجة من كلية العلوم الإدارية: “كشابة سودانية أستطيع أن أرى مستقبلي خارج السودان أكثر وضوحاً، فالمستقبل في السودان مُظلم جداً، والرؤية ضبابية، لذلك لا أريد أن يضيع مستقبلي في بلد وجهتها غير معروفة بالضبط، فالسودان حتى الآن غير مستقر من كل النواحي، ولأجد حقوقي الأساسية يجب أن أكون مقتدرة مالياً، فالصرف المالي عالٍ مقارنة بدخل الموظف، والغلاء آخذ في الزيادة، وهو يشمل أهم الاحتياجات الأساسية مثل البنزين والمواصلات والمأكل. ولكي نعيش معيشة توفر لنا الحد الأدنى من الاحتياجات لابد أن يعمل الفرد في أكثر من وظيفة. أما عن خطتي في الهجرة فأنا أفكر في دراسة الماجستير بالخارج، وذلك لتعزيز سجلي الشخصي، فدائماً ما تكون الخبرة العملية هي شرط أغلب الوظائف في الدول الأوروبية وأمريكا، واختياري للدول الأوروبية لأنها توفر ميزات أخرى غير التعليم والعمل لأني أبحث عن حياة فيها حقوق واحترام للإنسان، فالفرص الموجودة في الخارج غير متوفرة في الداخل، ورغم تخصصي في إدارة الأعمال إلا أنَّ شغفي مرتبط بفن الرسم والتصميم، لكن للأسف الفنون في السودان لم تأخذ حقها من الرعاية والاهتمام لذلك تظل مهملة وحبيسة دواخل الناس”.

فرص محدودة

أما نضال عبدالله محمد بشير فتقول إنها مقتنعة بأن فرصتها في النجاح خارج البلاد كبيرة نسبة للمستوى المعيشي المرتفع، وأضافت: “عندما أقيس خبراتي على المستوى المحلي أجدها صفراً، رغم اتقاني للغة الإنجليزية أجد صعوبة في العمل في السفارات أو المنظمات لأنهم يطالبون بشروط تعجيزية. فحلمي أن أنتسب للعمل في منظمة الأمم المتحدة كمترجمة أو كدليل سياحي، رغم تخصصي في الإعلام، إلا أنه لا يمكن أن يكون مصدراً للدخل بأي حال لتدني الأجور، لذلك ليست لدي أي مشكلة في السفر إلى الخارج، حتى لو اضطررت للعمل بعيداً عن مجالي كمشرفة أو موظفة استقبال أو مصممة إكسسوارات”.

للأوطان حق

أما عمار عبدالفضيل فيقول: إذا كل فرد فكّر في أساليب النجاة الشخصية فإننا بعد فترة لن نجد وطناً، شخصياً فكرت كثيراً في أمر الهجرة وقررت البقاء، رغم الضيق المعيشي، إلا أنني أؤمن بأن علينا إعطاء هذه البلاد وقتنا وقوتنا وجهدنا حتى تعطينا، ولا ألوم كل شخص قرر الاغتراب، فمن حق كل شخص أن يبني ذاته ويطورها، إلا أنَّ الوطن له حق عينا كذلك”.

(السُمبك) هو الحل

قبل سقوط حكومة الإنقاذ ونظام البشير كنت يائساً تماماً وفكرت جدياً في الهجرة، حتى لو كان الخيار الوحيد هو ركوب “السُمبك”، بهذه العبارة ابتدر حسن محمد إسماعيل حديثه وأضاف: “في تلك الفترة لم أكن أخطط لأهداف مستقبلية، إنما الهدف هو الخروج من السودان. برغم تخرجي بتقدير جيد جداً مع مرتبة الشرف من كلية المحاسبة، منذ العام 2015 م وحتى سقوط حكومة الإنقاذ لم أتوظف رغم أنني كنت حريصاً على التقديم في أي جهة تفتح باباً للتقديم، وكنت أنجح في معاينات كثيرة لكن لم يتم قبولي لأنني لم أكن أتبع للنظام البائد وليس لدي أخ ولا قريب (واسطة). لأن الواسطة غالباً ما تكون هي الأمر الحاسم في التوظيف في تلك الفترة، وأذكر أنه في إحدى المرات قام بنك معين بفتح فرص عمل لمحاسبين وتم تحديد زمن التقديم ومكان المعاينة وعند حضوري صادفت شخصًا أعرفه قال لي جملة لن أنساها: (ما تتعب نفسك، الكشف مكتمل قبل أن تدخلوا المعاينة وده أداء واجب بس)، منذ تلك اللحظة أصبت بالإحباط وأيقنت أنَّ (السُمبك) هو الحل، وحاولت كثيراً أن أعمل في الأعمال الحرة، كبائع رصيد وإكسسوارات، ولكن نتيجة لوجود (الكشّة) وجبايات المحلية تركته وفكرت في الاغتراب. ومع بداية الحراك انتابني شعور أنني من الممكن أن أحقق أحلامي داخل بلدي وبدأت الثورة تغير من طباعي وكل يوم كانت أحلامي تكبر.

بعد سقوط النظام تغيرت كل مفاهيمي السابقة وبدأت أرى أنني أستطيع أن أعمل بشهاداتي، وأستطيع إيجاد وظيفة تعوض أهلي عن كل ما بذلوه في تعليمي، لكني تفاجأت بأن الوضع لم يتغير كثيراً فهنالك بون شاسع بين دخل الفرد ومنصرفاته لذلك عادت إليَّ مجدداً أفكار الهجرة، ولا يوجد أمامي حل سوى الخروج”.

 أهداف محدد

سندس علي قالت إن الهجرة يجب أن تكون محددة بأهداف وسقف زمني، فكثير من السودانيين يهاجرون بلا أهداف وتسرقهم الحياة فلا يحققون أي شيء، فمثلاً أنا أخطط للسفر إلى الهند للحصول على درجة الماجستير في الهندسة الطبية وبعد ذلك أذهب إلى أوروبا، وبالطبع لن أعيش كل عمري فيها، لكنني سأعود لخدمة بلادي بعد تأهيل نفسي مادياً وأكاديمياً”.

______________________________________________________________________________________________________________________

 

(عديلة) للثقافة والفنون.. خطوة نحو التغيير الاجتماعي

 

أطلقت منظمة عديلة للثقافة والفنون أول مجلة كرتونية ثقافية باسم (عديلة)، وكان أول تدشين  لها في كاس (معسكر النازحين) في مطلع العام، ثم الدمازين والفاشر وأخيراً في الخرطوم.

بطلة القصة (عديلة) هي فتاة في العاشرة من عمرها تعيش في مأوى للأطفال تحت ظل إدارة قاسية، تفتقر لأساسيات الحياة من عائلة وأصدقاء وقبول واهتمام، تشعر بأنها وحيدة وغير مرئية، ولكن هذا لم يثنيها عن تبني قيم الإيثار وحب الخير للآخرين.

يسعى مشروع عديلة الثقافي للتغيير الاجتماعي عبر الفنون والثقافة ويعمل على تعزيز ثقافة السلام والمساواة والترويج للعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان في السودان، ويتناول قضايا اجتماعية وثقافية متعددة من مختلف البيئات الجغرافية والاجتماعية من كل مناطق السودان، والتركيز على المناطق المتضررة من الحرب والمحرومة من التنمية. ويتوغل فنياً لمناقشة قضايا اجتماعية حساسة تقع في منطقة اللّا مُفَكر فيه مثل (العنصرية والنوع والتحرش الجنسي) من أجل المساهمة الإبداعية في ترسيخ وجدان سليم ومعافى للإنسان السُوداني؛ متصالح مع ذاته وجسده والآخر والطبيعة.

يستقي مشروع عديلة نصوصه الإبداعية وصوره الفنية من وحي الواقع والاحتكاك به بشكل مباشر، والمساهمة الإبداعية في كشف الواقع المجهول كإبداع جمالي يخلق نفسه من العالم الخفي، ويهدف المشروع بشكل متواصل لخلق الإمتاع والمؤانسة وغرضه الفني هو التحريض على الرفض والاحتجاج على كل المظالم التاريخية وكل أشكال التخلف والتمييز والعنصرية في السياق السُوداني والعالمي.

لذا يقوم فريق الكتاب والرسامين في مشروع عديلة الثقافي على تطويع اللغة والريشة وتفجير إمكانياتهم الفنية اللا نهائية المدهشة في خدمة الحق والخير والجمال.

في يونيو السابق أطلقت عديلة مسابقة (مشيش) عديلة للتغيير الاجتماعي وهي مسابقة داعمة للمشاريع الشبابية الساعية للتغيير الاجتماعي، كما أطلقت برنامج بيت المعرفة وهو برنامج توعوي أسبوعي يخاطب قضايا السلام والمهمشين، وكافة القضايا الثقافية، الاجتماعية والسياسية التي تمس المواطن السوداني.

في نافلة القول؛ الفنون والإبداعات في مشروع عديلة تكون شاهدة على حركة المجتمع وغليانه وتناقضاته الصارخة بخصوصية سودانية مُنفتحة على العالمية في الشكل والمضمون.

______________________________________________________________________________________________________________________

إبداعات شبابية

قصة قصيرة

لنهزم الحياة بالحب

بقلم- انتصار السماني

كان يدرس معي في نفس الكلية، يسكن في نفس الحي، تقع عليه عيني مرارًا، يسير في الطرقات بسكينة تامة، بالرغم من عدد اللواتي يركضن خلفه إلا أنه لا يبادل إحداهن ابتسامة، كان باردًا إلى حد الهلاك، عشريني يحمل عقلًا خمسينيًا أو أكبر.

حسناً كل هذا جيِّد ولكن ليس بتلك الطريقة المفرطة، كنتُ أحيطه من كل الجوانب مع أنني لم أحاول يومًا لفت انتباه أحدهم إلا أنَّ روحي ألفته رغمًا عنِّي، مضت أيام وشهور وأنا على هذا الحال، أنظر إليه من طرف خفي، أخاف أن أقترب فأفقد ذاتي.

في يوم مليء بالغيوم رأيته يذهب إلى المكتبة مع صديقه، كان له صديق واحد لا غير، ذهبت خلفهم فوجدته يحمل رواية يقلب صفحاتها وهو مبتسم، بلا وعي اقتربت وقلتُ له: “لقد قرأتُ هذه الرواية ــ ابتسمت قليلاً ــ إنَّها ممتعة جدًا ولكن نهايتها حزينة”، قبل أن أكمل حديثي قاطعني بنبرة قاسية قائلًا: “كيف تدخلين بيننا هكذا دون إذن، هل تربطنا علاقة ما أو شيء من هذا القبيل؟، نحن لا نعرفك، ونصيحة منِّي لكِ لا تتحدثي مع الغرباء”، صمت لبرهة وتساقطت دموعي، لم أصدق أنَّ تلك الكلمات القاسية خرجت منه، استجمعت فتات كرامتي ورحلت .

مكثت أسبوعاً في المنزل ولم أذهب إلى الكلية، ما زالت كلماته تتردد في ذهني، وعندما أدركت حجم المشكلة قررت أن أنسى ما حدث وأكمل طريقي، ولكن الحب الذي كنتُ أحمله له تحول إلى كره كبير .

في صباح يوم غائم حملت حقيبتي وخرجت، وفي طريقي لمحته يجلس في الأرض ويتقيأ، حاولت أن أواصل طريقي لكن إنسانيتي كانت أعمق من كرهي له.

ساعدته ليعود إلى منزله، وعندما أدخلته المنزل نظر إليَّ طويلًا وقال: “شكرًا لكِ واعتذر عن ما بدر منِّي”، كنتُ حينها أود أن أنفجر ولكن تمالكت نفسي واكتفيت بالصمت ورحلت .

في اليوم التالي لم يأتِ إلى الكلية، ظننتُ أن الأمر عادي بما أنه مريض، ولكن الأمر لم يكن عاديًا فقد طال غيابه لأسابيع، لم أستطع أن أحبس أفكاري السوداوية فقررت الذهاب إلى منزله ليطمئن قلبي.

ولكن لماذا؟؟ أنا أكرهه جدًا، لن أذهب أبدًا، هذه المرة سأستمع لعقلي، ربما سافر أو لديه بعض المهام يود إنجازها، أنا لا شأن لي به، لقد طردته من حياتي إلى الأبد.

في طريقي وأنا عائدة إلى البيت، سمعت جارنا يتحدث مع صديقه قائلاً: “لقد كان في مقتبل عمره، حزنت من أجله”، قاطعته قائلة: “عمّن تتحدث؟” فقال لي: “أليس هو زميلكم في الكلية وجاركم أيضًا؟! لِمَ لم تذهبي إليه في المشفى أنتِ وأصدقاؤك؟”، قبل أن يكمل حديثه ركضت مسرعة إلى المستشفى ولكن رائحة الحزن احتضنتني وبدأت الأفكار تفترس نفسي: “لقد أتيت بعد فوات الأوان يا عزيزتي”، رأيت أهله يبكون وينتحبون، لم يستطع عقلي تقبل الفكرة، سقطت أرضًا وغبت عن الوعي، استيقظت وأنا في غرفتي فهرولت مسرعة إلى الباب حتى أدركت صديقه عند الباب، فقال لي: “أرجو منك أن تتقبلي الأمر بعقلانية، فالموت هو سنة الحياة”، حاول مواساتي ببعض الكلمات لكنه لم يفلح، نظرت إليه كيف كان يتحدث عن حب صديقه لي بلهفة، صديقه الذي جرحني مئات المرات ثم ذبحني برحيله، قال لي: “لقد مات بعد صراع طويل مع المرض، ولم يخبر أحدًا غيري، لقد كان يحبك كثيرًا لكنه لم يُرد أن تتعلقي به ويرحل، كان دائمًا يتكلم عنك وعيناه تشعان بريقًا، وقبل أن يغادر ترك لكِ بحوزتي هذه الرسالة، ربما تجدين فيها أجوبة على أسئلتك”.

أخذت الرسالة وكأني آخذ سجل حياتي، ثم بدأت أقرأ: “الفتاة التي وقعت في حبها منذ الوهلة الأولى، غرقت سراعًا في عينيها البنيتين، حتى حفظت عدد رموشها، كنتُ أراقبكِ من بعيد كل يوم، كنتُ أتمنى لو باستطاعتي محادثتك لكنني كنت أخاف ما بعد الحب، لم أكن أود أن أجعلك تركضين خلف السراب، رضيت بالعذاب بدلًا عنك، وفي اليوم الذي تذمرت فيه عليك صفعت نفسي مئة صفعة، كنت أبعدك عنِّي فحسب، أود إخبارك الآن لأنه الوقت المناسب بأنكِ الحب الأول والأخير، ولكن عديني ألا أكون حبك الأخير، عديني أن تبحثي عن الحب وتنشري روحك المبللة بالحزن حتى تجف منِّي تمامًا، سنلتقي في الأحلام، أرجو ألا تنسيني في دعائك”.

أنهيت الرسالة ودموعي سويًا، وقررت أن أعيش من أجل الحب، ليس بالضرورة أن نجتمع بمن نحبهم، فالحب شيء أعمق من اللقاء، هو سلاحنا ضد الحياة، سنبقى حيث يكون ونرحل حيث يذهب، وسندافع به ضد عدونا المشترك حتى ننتصر ونهزم الحياة بالحب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى