استنارة

قراءة في كتاب : موقف الإسلام من الإرهاب

: د. محمد عبد الله العميري

يسعى المؤلف إلى إيضاح الصورة الحقيقية للإسلام تجاه جريمة الإرهاب، ومناقشة الاتهامات الموجهة للمسلمين ووصفهم بالإرهابيين ومحاولة كشف حقيقة تلك الاتهامات وبيان أهدافها وأسبابها والرد عليها، وبيان مدى حرص الإسلام على توفير الحياة الآمنة للقرد والمجتمع وأن من يعبث بالأمن فإنه محارب لله ورسوله. وتأتي أهمية الدراسة في ظل قلة الدراسات العلمية التي تتناول هذه الظاهرة من المنظور الإسلامي وإنما تتناول الإرهاب بشكل عام وآثاره الأمنية والاقتصادية ونحوها. وتكمن مشكلة هذا البحث –من وجهة نظر المؤلف- في عدم الاتفاق على تعريف موحد للإرهاب لدى الدول الماصرة، وإلصاق التهم بالإسلام والمسلمين وربط وسائل الإعلام الغربية بين الإرهاب والإسلام بعد كل حادثة إرهابية سواء كان الربط مباشراً أو غير مباشر، وضعف وسائل الإعلام الإسلامية والعربية في إيصال الثورة الحقيقية للإسلام والمسلمين إلى الشعوب الأخرى والتأثير على الرأي العام فيها وبيان نبذ الإسلام للإرهاب ومكافحته له. منهج الدراسة اعتمد المؤلف على المنهج العلمي التحليلي القائم على استقراء واستنباط المعلومات المتعلقة بالبحث من النصوص الشرعية الدالة على ذلك والمصادر الأساسية المتعلقة بموقف الإسلام من الإرهاب خاصة المراجع الفقهية للمذاهب المختلفة مع التركيز على المذاهب الفقهية الأربعة وتحليل تلك الآراء واستخلاص ما أمكن من الإجابة على تساؤلات البحث، أما بخصوص الجانب غير الشرعي يقول المؤلف:” اعتمدت المراجع المعاصرة والوثائق والقرارات لأن الموضوع في هذا الجانب كثير التبدل والتغير وأن الأطروحات والآراء تتغير كلما استجدت الأمور”. مفهوم الإرهاب ودوافعه يذهب الباحث إلى أن تعريف الإرهاب تعريفاً دقيقاً مسألة معقدة لاختلاف وجهات النظر حول ماهيته، وعدم الاتفاق على رأي واحد، للوصول إلى تعريف موحد، وكلمة (إرهاب) أصبحت تطلق على كل عمل مصحوب بالعنف والقوة والتهديد بهما، سواء قام بهذا العمل أفراد أم جماعات أم دول. وبالرغم من الصعوبات التي تعترض إيجاد تعريف موحد له إلا أن هناك بعض المحاولات الفقهية التي جرت للوصول إلى تعريف له حتى لو يكن هذا التعريف متفقاً عليه بين الجميع، وهو ما تناوله الفصل الأول من الكتاب مبتدئا بالتعريف اللغوي للإرهاب ثم التعريف الاصطلاحي له مع بيان بعض المشكلات التي ساهمت في عدم إيجاد نعريف موحد له من قبل المجتمع الدولي وكذلك أنواع الإرهاب التي تسود المجتمع المعاصر حيث يقسم الباحث الإرهاب من حيث فاعله ومن حيث الشكل وناحية وقوعه إلى أقسام مختلفة. كما يتناول الفصل الأول دوافع الإرهاب وأسبابه موضحا الدوافع الشخصية التي تتعلق بشخصية الحدث الإرهابي، وكذلك الدوافع المجتمعية وهي التي يكون للحالة التي يعيشها المجتمع سبباً في وجودها. التطور التاريخي للإرهاب مر الإرهاب في تطوره بمراحل تاريخية متعددة، فمن إرهاب الأفراد الجانحين إلى العنف والتخريب إلى إرهاب الجماعات والطوائف الملحدة والمرتدة عن الدين التي اتخذت الإرهاب وسيلة لإشاعة الذعر والخوف في قلوب أعدائها وظهرت الحركات الإرهابية المنظمة الخارجة عن القانون والنظام السائد في المجتمع التي تعيش فيه. فالإرهاب قديم جديد في الوقت ذاته فهو قديم لأنه سلوك إنساني لازم البشرية من بدايتها كظاهرة من الظواهر الاجتماعية، وهو جديد في نطاق استخدامه في العلاقات بين الدولة والأفراد وبين الدول بعض وفي استفادته من التطور العليم الحاصل في كافة المجالات. كما أن خطورة الإرهاب اليوم ليست كخطورته قديما حيث الحوادث الإرهابية بازدياد مستمر مع اتساع نطاقها وازدياد ضحاياها وظهور أشكال جديدة وحديثة في الإرهاب ووسائله، كما أن بعض الدول قد استخدمت الإرهاب في محاربة دول أخرى لا تستطيع مجاراتها لعدم التكافؤ بينهما ويدخل في هذا المجال الحرب الاستخباراتية. ويستعرض المؤلف في هذا الفصل التطور التاريخي للإرهاب موضحاً فيه: – الإرهاب في العصور القديمة (الإغريق، الرومان، الفراعنة، الإرهاب اليهودي). – الإرهاب في العصور الوسطى (الإرهاب في أوربا، الحروب الصليبية، محاكم التفتيش، عصر صدر الإسلام). – الإرهاب في العصر الحديث (الإرهاب الصهيوني، الآسيوي، الأوربي..). مع إعطاء نماذج للأعمال الإرهابية التي قامت بها الدول والمنظمات الإرهابية في تلك العصور. الإرهاب والظواهر المشابهة يفرق المؤلف في الفصل الثالث بين الإرهاب وبعض الظواهر الإجرامية الأخرى كالجريمة المنظمة والعنف السياسي والجريمة السياسية، مؤكدا على ضرورة مكافحتها من خلال تعاون دولي صادق مبني على الصدق والشفافية بعيدا عن المصالح الوقتية والأهداف الاستعمارية لأن هذه الجرائم لا تهدد أمن الفرد وإنما تهدد الأمن القومي للدول. ويستعرض المؤلف مفهوم تلك الظواهر والخصائص التي تميزها وأوجه الاختلاف والتباين بينها وبين الإرهاب. ويتناول الفصل أيضا التيارات المضللة وصلتها بالإرهاب من خلال نموذجين لكل تيار من تلك التيارات وهي الحركات اللادينية (الماسونية والشيوعية) والتيارات الدينية (تنظيم الجهاد الإسلامي وتنظيم التكفير والهجرة)، حيث يرى المؤلف أن العالم ابتلى منذ القدم بالعديد من الحركات والمذاهب والأحزاب والتيارات الفكرية والسياسية والفكرية التي تتخذ من الإرهاب وسيلة لبقائها. محاربة الإسلام للإرهاب في الفصل الرابع (النصوص الدالة على: محاربة الإسلام للإرهاب) يستقرئ الباحث جميع النصوص الدالة على تجريم الإرهاب من الكتاب والسنة مبينا مدلول الإرهاب في الإسلام من خلال كلمة رهب ومشتقاتها في القرآن الكريم والتي تكررت 8 مرات، مبينا خصائص الإسلام الدالة على نبذ الإرهاب. ويتناول الفصل الرابع أيضاً الأهداف التي يرمي إليها الأعداء من اتهام الإسلام والمسلمين بالإرهاب وهي: تشويه صورة الإسلام والتنفير منه، والإساءة للمسلمين وتحطيم روحهم المعنوية، وتضليل الرأي العام العالمي والسيطرة عليه، وتبرير الأعمال الإسلامية ضد المسلمين، وزعزعة الأمن والاستقرار في الدول الإسلامية. بالإضافة إلى العوامل المؤدية لتحقيق تلك الأهداف ومنها:(الحقد والتعصب ضد الإسلام والمسلمين، السيطرة الغربية على وسائل الإعلام، التخلف الإعلامي عند المسلمين، تحقيق الأهداف الاستعمارية في البلاد الإسلامية، التصرفات الخاطئة من بعض المسلمين، ابتعاد المسلمين عن دينهم وعدم استغلال قوتهم الحقيقية). موقف الفقه الإسلامي من الإرهاب هذا الفصل يلقي المؤلف الضوء على محاربة الإسلام لجريمة الإرهاب قبل أكثر من 1400عام من خلال جعل أقسى العقوبات وأغلظها لهذه الجريمة وهي حد “الحرابة”، والتي تعطي مثالاً حيا على شمولية الإسلام لكافة مناهج الحياة في مختلف المجالات من عبادات ومعاملات وأخلاق. ويتناول الباحث (حد الحرابة) في الإسلام من خلال تناول الفقهاء المسلمون له على اختلاف مذاهبهم وكيفية مناقشتهم لهذه الجريمة وفهمهم وتصورهم لها وآلية تطبيق العقوبات متى توفرت شروطها. المنهج الإسلامي في محاربة الإرهاب ويختتم المؤلف فصول كتابه ببيان المنهج الإسلامي في محاربة الإرهاب حيث يرى أنه المنهج المثالي الذي بتطبيقه تتجنب البشرية ويلات الجرائم وحصرها في أضيق الحدود وذلك لأنه هو المنهج الرباني الذي أوجد الحل المناسب لكل جريمة صغيرة كانت أو كبيرة يقول المؤلف:( إن لهذا المنهج الإسلامي تأثيره وفاعليته في تخليص المجتمع من شرور الجرائم بمختلف أنواعها والتي من ضمنها جرائم الإرهاب، فقد أتى هذا المنهج بتدابير حاسمة لعلاج هذه الظاهرة كغيرها من الظواهر الإجرامية الأخرى وهذه التدابير منها ما هو وقائي بحيث يمكنه تحقيق الوقاية من الجريمة قبل أن تقع ومنها ما هو علاجي يحقق اتخاذه الردع والزجر عن ارتكاب الجريمة مرة أخرى، وسأتناول هذا المنهج الرباني من خلال بيان منهج الإسلام الوقائي من جرائم الإرهاب وبيان منهج الإسلام في مكافحة الإرهاب فالتطبيق لهذه التدابير الإسلامية يحقق الأمن والاستقرار في المجتمع ويحول دون وقوع الجرائم والانحرافات بمختلف أنواعها فيه، فالإسلام قد أحاط الفرد بسياجات أمنية متعددة تهدف إلى تحصينه ضد ارتكاب الجريمة، منها السياج الذاتي المتمثل في مراقبة الله تعالى، والسياج الأمني المتمثل بالعقوبة والخوف منها، والسياج الاجتماعي من خلال نظرة المجتمع الذي يزدري الجريمة ويمقتها ويرى في مرتكبها الشذوذ عن المنهج والخروج عن الطريق السوي ).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى