استنارة

في إشكالية “الدليل” وآلية (الاستدلال) ..

من أهم سمات أي خطاب فكري فاعل , أمران هما : المعقولية , والواقعية ..وهما مفهومان لا ينفصلان كما يذهب إلى ذلك هيقل : ( كل ماهو واقعي عقلاني , وكل ماهو عقلاني واقعي ) ..ولهذا الخطاب الذي يتجاوز ( المعقولية /الواقعية) هو خطاب يفتقد إلى الفاعلية والتأثير , لأنه يتحول إلى خطاب (متعالي) غير متماس مع إشكاليات , ومعطيات الواقع الذي يتعامل معه …
حينما توجه خطاب لمجتمع محكوم بآليات فقهية , وينطلق من ( النص الديني) في مقارباته الفكرية , والدينية , فلابد أن يتسم الخطاب الموجه لهذا المجتمع , بذات الآلية الفاعلة في المجتمع , وتفكيك (البنى الفكرية ) للمجتمع , إنطلاقا من ذات الأدوات التي يؤمن بها ..وبهذا يتسم الخطاب الفكري النقدي حينها , بالمعقولية والواقعية ..ولا يكون الخطاب منبت ومنقطع عن النسق الفكري وإن بزاوية أكثر تحررا _ للمجتمع نفسه_ …
حينما يؤمن الناس بتحريم أمر معين ,إنطلاقاً من ( النص) فليس من المعقولية , أن تسقط ( النص ) نفسه , لأنه نص فاعل في العقل الجمعي , واللازم الديني لأفراد المجتمع ..على العكس , من أن تعيد قراءة (النص) قراءة أكثر معقولية , ومنطقية , لتعيد بثه من جديد بحلة أكثر تحرراً , محققاً منها القصد في تحرير (النص) من الفهم المغلوط , وكذلك من استزراع هذا الفهم في المجتمع , لأنه فهم لا يتعارض مع (النص) الذي يؤمن به المجتمع …
ما عدى ذلك , سيكون الناقد الفكري , يتحدث في الفراغ , وسيبقى الناس , يتعاطون مع (النص) المركزي والمشكل لثقافتهم , بصورتهم الخاصة , ولن يكون للمثقف الناقد أي دور فاعل في تغيير فهم (النص) وبالتالي لن يكون له تأثير في تغيير الوعي في (المجتمع) …
سأضرب مثال حول إشكالية (الدليل ) وآلية ( الإستدلال ) بحديث ( النساء ناقصات عقل ودين ) …

المجتمع يؤمن بهذا النص , وثمة طريقان لمقاربة هذا النص ..

الأول : إنكار السنة , ورد الحديث , إنطلاقا من ذلك …هنا سيكون الموقف الفكري , موقفاً متجاوزاً لمعطيات الواقع وغير مؤثر به ..فالسنة ضمن التشكل (الديني) و الفكري في المجتمع , مصدر من مصادر التشريع , حينما يتصادم معها المثقف , فهو لا يسقط (النص) أو ( المصدر) بقدر ما يسقط نفسه , من أن يكون فاعلا في نقد (المصدر) أو (الدليل ) …
الثاني: هو في مقاربة النص , مقاربة منطقية , وعقلانية ..بحيث يسلم بما يراه المجتمع حول (السنة) , ولكنه مع ذلك يقدم قراءة أكثر حداثة للنص , هنا لن يجد الناس حرج في قبول هذا التأويل , لأنه لا يتعارض مع مصدرهم التشريعي , كما أنه تأويل منطقي جداً , ولا يمكن دفعه منطقياً ..

في حديث : ( ناقصات عقل ودين ) …

يمكن لي أن اقول لمن يحتج به , أنا أرد هذا النص من حيث هو (دليل) من ناحية الثبوت ..نعم أنا أعترف أن السنة مصدر من مصادر التشريع ..ولكن من قال أن النبي قال هذا النص ؟!
تقول رواه البخاري ..
حسناً , هل البخاري معصوم أم مجتهد ؟!

إن كان معصوم , ماهو الدليل على عصمته ؟!

إن كان مجتهد , ما الذي يجعل اجتهاده ملزماً لي ؟! وهو اجتهاد قابل للصواب والخطأ ؟!

حينما يقول البخاري , فلان ثقة ..كيف علم البخاري ذلك ؟! أمن الوحي ؟! أم من عندياته ؟! ومن ظنه بثقة ذلك الشخص ؟!

طبعا لا يوجد نص , يثبت أن “البخاري” يوحى إليه ..فيكون البخاري يصحح اجتهاداً , ومازال كثير من رجال الدين يستدركون على البخاري , ما صححه ..
هذا فيما يتعلق ب”الدليل”
أما في آلية “الأستدلال” وفهم الدليل ..
أنتم تقولون : النبي يصف المرأة بنقص الدين , لأنها إذا حاضت لا تصلي ..
والسؤال : هل الصلاة قيمتها في ذاتها من حيث هي مجرد حركات تعبدية , أم أن قيمتها في أن الله أمر بها ؟!
سيقولون : بل لأن الله أمر بها …
وهنا السؤال : المرأة في حال حيضها لماذا لا تصلي ؟!
يقولون : لأن الله أمرها بذلك ..
وهنا سؤال : كيف يكون امتثال المرأة لأمر ربها نقص في دينها ؟! وإذا كان امتثال أمر الله نقص في الدين , فكيف يكون كمال الدين ؟!
ثم المرأة وهي ممتنعة عن الصلاة , أليست في حالة عبادة لربها ؟! لأن العبادة أن تمتثل أمر المعبود …!
يحاولون الخروج بقولهم : هي ناقصة مقارنة بالرجل ..
والسؤال هنا : من الذي جعل الرجل معيار لمعرفة الكمال والنقص ؟!
النقطة الثانية :
حينما تطلب من شخص أن يقوم بعمل معين , ثم يقوم بهذا العمل على أكمل وجه ..
ثم تطلب من شخص أخر أن يقوم بعمل أكبر من الفعل السابق , ويفعله على أكمل وجه ..
فلا يصح أن تقول أن الثاني أكمل من الأول , لأن الأول لم تطلب منه أن يعمل نفس عمل الثاني , فلا يصح أن تصفه بالنقص, لأنه لم يفعل , ما لم تطلبه منه ..
إنما يحكم على كمال الفعل ونقصه , إنطلاقا من الفعل نفسه , هل فعله الشخص على أكمل وجه أم لا ..لا أن تقارنه بعمل شخص آخر ..فهنا تكون المساواة بين المختلفات , وهذا باطل …
وشكرا ,,

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى