الرأي

علي عبد القادر: رحيل باحث مقتدر!

تترى علينا الأحزان بمتوالية هندسية، وِتراً وِتراً، بفقد أعز الناس لك. مساء أمس الجمعة غيب الموت المفاجيء استاذي الصديق الباحث المقتدر بروفيسور علي عبد القادر. كان على استاذي وانا طالب في السنة الخامسة بكلية الاقتصاد والدراسات الاجتماعية. وبعدها انتقل الى ود مدني، ومعه د. علي محمد الحسن، في مهمة تاريخية للإشراف على تأسيس كلية للاقتصاد في جامعة الجزيرة. درس علي بالجامعة، وتخرجت على يده أعداد مهولة من الطالبات النابغات والطلاب النابهين.

لم يكن علي مدرسا ومحاضرا فقط، بل كان باحثا مجتهدا له اسهاماته الفكرية الناقدة، خاصة لسياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وله العديد من الكتب والمقالات المنشورة في المجلات والدوريات المتخصصة في علم الاقتصاد. اكتسب علي خبرات جديدة في مجال البحث بشغله لمواقع قيادية في المؤسسات الإقليمية، أفريقيا وعربيا، والدولية.

 فبعد خروجه من السودان، الذى لم يعد إليه من بعد في رحلة اغتراب طالت واستطالت، في النصف الأول من تسعينات القرن الماضي، عمل علي في الكويت مديرا لقسم البحوث في المؤسسة العربية لضمان الاستثمار. ومن ثم انتقل لموقع جديد كمدير لقسم تحليل السياسات الاقتصادية والاجتماعية في المفوضية الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة. وفي بداية الألفية الثالثة، عاد علي مجددا إلى الكويت للعمل لأكثر من عشر سنوات كمستشار اقتصادي للمعهد العربي للتخطيط. كانت آخر محطاته في طريق تطوير البحوث الاقتصادية عمله كمستشار أول في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة.

بحكم طبيعة شخصية علي الهادئة الرزينة قرر، متذ سنوات، أن يعيش مع رفيقة دربه هدى في مدينة الرحاب بالقاهرة، بعد أن كبر العيال. ولكن علي وهدى لم يكونا لوحدهما، فبعض من حيران د. علي ومحبيه ومريديه يحيطون كل بعد ظهر جمعة (على نفس منوال حياته كما التقيته في الكويت لعامين). هكذا، في مساء الجمعة 10 يوليو الماضي ذهبت لزيارة علي في شقته بالرحاب، وحملت له نسخة من كتابي الأخير، فوجدت المحبين والمريدين من الأصدقاء من حوله، وهدى تحوم حولهم تقدم لهم ما يطلبون: د. أمين سيد احمد، د. إبراهيم البدوي، د. محمد عبد الوهاب، د. ابراهيم السوري، السفير عمر الشيخ. ويا للمفارقة والمفاجعة، فبعض من هؤلاء كان حضورا في هذه الجمعة اليتيمة، 16 سبتمبر 2022، فبعد وصولهم ما كان من هدى كالعادة إلا أن تبلغ علي حتى يخرج من غرفته، لتعود لتخبرهم هم أن علي لا يرد عليها وجسمه يبدو باردا، كان حينها علي قد فارق الحياة!

لا حول ولا قوة الا بالله وانا لله وانا اليه راجعون شاء الله وقدر وفعل.

الدوام لله والبقاء له وحده والله يرحم علي ويتقبله قبولا حسنا ويسكنه فسيح جناته.

البركة في رفيقة دربه هدى عبد الستار، وفي بناته سمر ومنى وندى، وابنيه معز وخالد، وفي كل الأسرة وجميع الأهل. والعزاء للصديق أمين النفيدي، ولأصدقاء علي وأصحابه: أمين سيد احمد، محمد عبد الوهاب، إبراهيم البدوي، ابراهيم السوري، عمر الشبخ، ومن هم حوله، وزملاءه في جامعتي الخرطوم والجزيرة، وفي كل مرفق عمل به، ولطلابه والباحثين ممن تدربوا على يده.

فقد مر ومرير، فقد رحل عنا علي عبد القادر الباحث المقتدر!

الدوام لله والبقاء له وحده 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى