قضايا فكرية

على هامش الدور الأجنبيّ..بقلم : حازم صاغيّة

حازم صاغيّة..

أثارت الانتفاضات العربيّة مسألة ينبغي ألاّ تبقى في نطاق المسكوت عنه، كي لا نقول اللامفكّر به.

المسألة هذه هي، بالأحرى، حاضرة دوماً على نحو أو آخر، إلاّ أنّ تعريضها للنقاش هو ما يبقى عرضة للتمويه أو الصمت أو التحايل.

إنّها مسألة «الوجود الأجنبيّ» على أرضنا.

فلنتذكّر أنّ «القاعدة»، كأكبر حركات الارهاب العالميّ المعاصر، جعلت من هذه المسألة علّة لوجودها، مع أنّ تحرير الكويت من صدّام حسين كان السبب وراء هذا الوجود العارض. وبهذا الشعار نجحت «القاعدة» في أن تخاطب عواطف فعليّة وقويّة أبرزها الوطنيّة والدين وقد فُهما كعداء، نضاليّ أو جهاديّ، للغريب.

قبل ذلك كانت القضيّة الفلسطينيّة قد زخّمت هذا العداء. عند رؤية العالم من ثقب النزاع مع إسرائيل، وعند قياس الكون كلّه تبعاً لموقفه من القضيّة الفلسطينيّة، كان يتأسّس موقف احتجابيّ يسهل دوماً تطويره إلى موقف عدائيّ. ومؤتمر طهران الحاليّ آخر العيّنات على وضعنا في مواجهة العالم باسم فلسطين، بل وضع الفلسطينيّين أنفسهم في هذا الموقع فيما تكسب حركة محمود عبّاس الأخيرة مدخلاً عريضاً إلى هذا العالم.

ولئن شكّل «الصليبيّون» مادّة دائمةً لتأصيل مواقف الاحتجاب والقطع، إذ اعتُبر أولئك «الأسلاف» الأسطوريّون نسخة أصليّة لا بدّ من أن يكرّرها كلّ تاريخ لاحق، جاءت التجربة العراقيّة تعطي هذا السلوك «مبرّراته». فقد استُنتج ما كان مُستنتَجاً سلفاً من أنّ كلّ تماسّ مع هذا الجسم الغريب كارثة تنهض على مؤامرة.

هذا المعيار طُبّق في ليبيا التي، وفقاً لذاك التأويل، عاشت أنصع أيّام الثورة إلى أن دخل الناتو. حينذاك مُسخت الثورة ثورةً مضادّة. وما يقال كحكم مبرم عن ليبيا يقال اليوم كإنذار لسوريّة وانتفاضتها: إيّاكم أن… ويا غيرة الدين…

طبعاً ليس عندنا من يقول ما قاله اليابانيّون في ما خصّ العلاقة بالغرب حتّى لو كان احتلالاً، أو ما قاله البوسنيّون قبل سنوات قليلة. وبالتأكيد، في المقابل، ما من أحد يحبّ أن توجد قوات عسكريّة غريبة على أرضه. لكنْ يُخشى، وعملاً بتقليد عريق، أن يتذرّع رفض «الغربيّ» برفض «العسكريّ»، فنستخدم الموقف السياسيّ «الوطنيّ» و «التحرّريّ» لمصلحة موقف ثقـافيّ متخلّف، بل متأخّـر. ونـعرف تمام المعرفـة أنّ الأنظمة العـربيّة التي كانت دائماً تحالف الغرب سياسيّاً واستراتيجيّاً، كانت في طليعة المعادين للنموذج الثقافيّ الغربيّ.

ويُخشى أيضاً، وللمرّة الألف، أن نندفع في هذا فلا نعود نستشعر بضرورة تصدّينا لمشكلاتنا وحسم تناقضاتنا الذاتيّة بوصفه وحده الشرط الذي يغني عن التدخّلات الأجنبيّة. وغنيّ عن القول إنّ الكويتيّين وحلفاءهم ما كانوا ليستعينوا بقوّات أجنبيّة لو أمكنهم تحرير الكويت بأنفسهم. والشيء نفسه يمكن قوله في الليبيّين في ما لو استطاعوا بذاتهم إزاحة معمّر القذّافي…

الحقيقة الأبعد أنّ منطقتنا تواجه مركّباً من أنظمة شرسة ومجتمعات مفتّتة. وهذا ما قد يجعلنا مُضطرّين، إذا ما شئنا مواجهة شراسة الأنظمة، أن نواجه تفتّت المجتمعات، أي أن نواجه الضعف الذاتيّ الذي هو علّة العلل.

لقد جاءت التجربة الليبيّة، في أحد المعاني، تعيد الاعتبار للتجربة العراقيّة: فحصول التغيير من الداخل في ليبيا لم ينجّ ليبيا من الاقتتال. وما من سبب للافتراض بأنّ تغييراً مماثلاً في العراق كان سينجّيه من هذا الاقتتال!

أمّا أن تكون «عندهم أجندات»، فخيرٌ إن شاء الله. هل يعقل ألاّ تكون؟

نقلاً عن الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى