الرأي

عدم إعتراف (طبيعي) ..!

إتحاد الصحفيين العرب يُعلن عدم إعترافه بنقابة الصحفيين الشرعية التي نصبَّتها صناديق الإقتراع أول أمس في ملحمة تاريخية طالما إنتظرها المجتمع الصحفي وكذلك الشعب السوداني، فيما يمثِّل تتويجاً لأشواق الجماهير الثائرة للديمقراطية المُستحقة، حين أسفرت عن تكوين نقابة شرعية وقانونية وحُرة لا تشملها رعاية السلطة ولا عطاياها ولا الترهيب بسطوتها، نقابة تستمد قوَّتها وفعاليتها من إلتفاف عضويتها حولها بإعتبارها راعية لمصالحهم بغض عن النظر عن الشخوص الذين يقفون عليها مهما كان إنتماءهم السياسي والآيدلوجي والجهوي والعرقي والمذهبي، فهل هناك غرابة في عدم إعتراف إتحاد الصحفيين العرب بالنقابة الجديدة أو حتى بالديمقراطية كمبدأ؟.

في إعتقادي لا غرابة في ذلك إذا سألنا السؤال المنطقي وطرحناه كإجابة (وما علاقة الوطن العربي وأنظمته السياسية وإتحاداته المهنية ونقاباته بالديموقراطية؟)، فحال الأنظمة السياسية في الوطن العربي لا يحتاج إلى شرح في مجال تبَّني القيَّم الديموقراطية ورعاية الحقوق والحريات الأساسية للإنسان، بما في ذلك حق إستقلال المجموعات المهنية والنقابية عن رعاية وإشراف وإدارة السلطات الحاكمة، بما في ذلك حقها في إقامة إنتخابات نزيهة و(حقيقية)، ومن باب (الطيورُعلى أشكالها تقع) كان من الطبيعي أن (تتوافق) و(تتآذر) تلك الإتحادات العربية (الصورية) مع بعضها البعضٍ، بالحد الذي جعل الإتحاد العربي مُتناغماً ومُنحازاً وداعماً لا يُشقُ له غبار لإتحاد الصحفيين السودانيين القديم، والذي كما يعلم الجميع كان مشوباً بآفة التمكين للإنقاذيين، ومستنقعاً آسناً للمًطبلين والمُنبطيحين من الصحفيين الذين باعوا قضية شعبهم من أجل حفنة دراهم والتمتُّع بالفتات من مزايا وعطايا النظام الحاكم، والتي كانت تقابلها الإغتيالات والإعتقالات والمضايقات المعيشية في مواجهة الصحفيين المعارضين من الناطقين بإسم الحق والمنحازين بضمير لمعسكر الحقيقة المحضة ولو وُضعت السيوفُ على رقابهم.

نقيب الصحفيين السودانيين

بيان الإتحاد العام للصحفيين العرب الرافض لمجريات إنتخابات نقابة الصحفيين وإعلان عدم إعترافه بنتائجها لأسباب أرجعها للوائح تنظيمية داخلية إختصرها في المادة 12 من دستور الإتحاد، جاء بإستعجال مُريب، ومحاولة مُستميتة لدعم الإتحاد القديم الذي من الطبيعي أن يُلغى ويُحل بعد سقوط النظام البائد شأنه شأن الكثير من المنظومات ذات الصبغة المهنية بمُسمياتها المختلفة لكنها في النهاية لم تكن سوى واجهات تنظيمية لحزب المؤتمر الوطني، ومثلما تطالب الثورة بتفكيكهم في جهاز الأمن والمخابرات والشرطة والجيش والخدمة المدنية وغيرها من المؤسسات، كان من أوجب واجبات بناء دولة السودان الديموقراطية إزالتهم وتفكيكهم من منظومة الإتحادات والنقابات المهنية لا لشيء سوى إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح وإرجاع الحق إلى مُستحقيه، وإعمال النُظم الديموقراطية الحُرة والنزيهة في إختيار قياداتها ولجانها التنفيذية، فضلاً عن إفساح المجال عبر دوراتها المتواترة (للتغيير) و(التبديل) وإتاحة الفرصة لكل من له كفاءة وقدرة على خدمة المنظومة الصحفية ورعايتها وتطويرها، كل ذلك دون تدخُّل الدولة عبر إستغلال النفوذ والجاه والسُلطة، وبغض النظر عن وجود (تجاوزات) أو أخطاء إجرائية للإنتخابات التي أجرتها اللجنة التمهيدية أول أمس، فإن الإنحياز المُطلق للمسار الديمقراطي يجبرنا على تأييدها وإحترامها ومؤازرتها، بإعتبار أن كل عيوبها المحصورة لن تُمثِّل ذرة خردل في أرتال العيوب التي تحملها النقابات الصورية للنظام البائد على كاهلها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى