(طفل العاصفة) والتعايش المجتمعي والبيئي
شاهدت عبر قناة أفلام عالمية الفيلم الأسترالي (طفل العاصفة)، هذا الاسم الذي أطلقه الممثل الأسترالي، من سكان أستراليا الأصليين (الأبوريجنال)، ديفيد قلوبليل، على بطل الفيلم الطفل الممثل الأسترالي، فن ليتل.
لن أسرد لكم تفاصيل الفيلم الذي يدور حول حياة طفل مع صياد تبناه وأصبح يساعده في الصيد، لكنه كان يتمتع بحب استطلاع دفعه للتحرك بمفرده في الفضاء البيئي المحيط، ويلتقي بالأسترالي (الأبوريجنال) الذي أطلق عليه لقب (طفل العاصفة)، ونشأت بينهما علاقة طيبة رغم فارق السن بينهما.
من جهة أخرى، نشأت علاقة حميمة بين (طفل العاصفة) وبين طيور البجع التي تنتشر في أستراليا ويمنع صيدها أو التعدي عليها، وهي ثقافة أسترالية تحرم صيد الطيور والحيوانات أو إلحاق الأذى بها.
ذات يوم، وجد (طفل العاصفة) مجموعة من صغار البجع فحملهن معه واعتنى بإطعامهن حتى كبرن، ونشأت لغة مشتركة بينهما، وساهم في تعليمهن الطيران، وظلت العلاقة بينه وبين بجعاته مستمرة لم تنقطع.
ذات مرة، حاول بعض الذين يعملون في حرس الشواطئ صيد البجع، فلحقهم (طفل العاصفة) وحاول منعهم. وعلى أصوات طلقات الرصاص، حضر صديقه (الأبوريجنال) وساعده في وقف الصيد الجائر، لكن للأسف كانت بجعة من بجعات طفل العاصفة قد لقيت حتفها.
حزن (طفل العاصفة) على البجعة التي ماتت، لكن صديقه (الأبوريجنال) حمل البجعة الميتة ودفنها في مقبرة، زارها (طفل العاصفة) مع صديقه الذي أخذه بعد ذلك إلى مكان فيه بجعات مولودات حديثاً، ففرح الطفل بهن وأخذ بعضهن ليعتني بهن .
هناك مشاهد كثيرة تجسد الانسجام والتناغم بين الأسترالي وبين محيطه المجتمعي والبيئي، لكن هناك مشهداً مربكاً من ذات المجموعة التي حاولت صيد البجع، حيث قاموا بسرقة سمك الصياد وحملوه على سفينتهم وأبحرو بها.
على مقربة منهم كان الصياد والطفل وصديقه (الأبوريجنال) يراقبان الموقف، ووقف (الأبوريجنال) يردد بعض الأدعية والتعاويذ لتقوم بعدها عاصفة عنيفة تغرق مركب اللصوص الذين سرقوا سمك الصياد، ويصيحون طالبين النجدة.
في مشهد إنساني مؤثر، يستجيب الصياد والطفل ومعهم صديقهم لنداء الواجب، ويستغلون البجعة في حمل الحبل، ويوجهونها نحو السفينة التي بدأت تغرق، وتنجح البجعة في توصيل الحبل الذي أخذه اللصوص وربطوه بالسفينة لتبدأ عملية إنقاذهم من ضحاياهم على الشاطئ.
لم يكتف الصياد و(طفل العاصة) بذلك، بل استضافوا اللصوص في بيتهم الريفي المتواضع، ولم يقصروا في خدمتهم وتقديم الطعام لهم، وكأنهم لم يسرقوا منهم السمك.
الفيلم محشود بالمشاهد الإنسانية التي تجسد جانباً من الثقافة الأسترالية المجتمعية، التي تكونت خلال التعايش الإيجابي والتناغم والاندماج بين مكونات النسيج المجتمعي الأسترالي متعدد الثقافات والأعراق الذي مازال يحافظ على هذا التماسك بلا وصاية أو استعلاء أو هيمنة فوقية.