الرأي

شد الحبل

سارة الجاك

مابين مخاطبة جذور الأزمة وغياب الرؤية، ينثر السوان وترابه هباءا

سيناريو قديم

كثيرا ماترددت على مسامعي قصة الرحلة، التي قامت بها بعض السلاحف إلى مكان خارج المدينة بغرض الترفيه؛ وتزجية الوقت، وعند مستقرهم اكتشفوا نسيانهم لملح الطعام، فقاموا بإرسال أصغرهم ليأتي به، مرت الدقيقة الأولى والدقيقة الثانية وهم ينتظرون، أشارت عقارب الساعة إلى مرور ستين دقيقة منذ ذهابه، مرت الساعة الثانية، فقرر نفر الرحلة أن يتناولوا وجبتهم؛ دون إضافة الملح إلى مكونات الطعام، واختاروا تناوله مسيخا، بدلا عن انتظار المبعوث للملح، هنا كانت المفاجأة، بينما هم يستعدون لوضع وجبتهم في مكان تناولها؛ خرج المبعوث من خلف إحدى الأشجار الكبيرة، برزت أعينهم استغرابا، برزت عبارته لتصيبهم في مقتل.

قائلا: كنت أعلم أنكم ستفعلون ذلك، فقررت عدم الذهاب.

سيناريو جديد

يظهر أحد السلاحف من بعيد، يرى المجموعة المتأهبة لركوب الحافلة التي ستقلهم إلى مكان  الرحلة، يرغب في الذهاب معهم، لكنه غير مدعو، تلح عليه رغبته في الذهاب؛ فيقرر رسم خطة تجعلهم يدعونه لمرافقتهم، تنظر إليه كرامته المهدرة من تحت قدميه بتأفف، تنسحب من بين خطواته لتتركه بلا كرامة، لا يأبه بها، يعيد ترتيب هندامه، ينظر إلى مجموعة المدعوين، يبتسم يراقب ظله في الحائط المقابل، يغمز عينه، ويلعق شفتيه ويخطو نحوهم ملقيا السلام.

شنو يا شباب على وين الليلة

يرد الأول مبتسما ابتسامة صفراء: حاجة بسيطة كدة تغيير جو.

يباغته الثاني بنظرة إحتقار: طبعا انت مغير جو طبيعي؛ تقع هذه العبارة في أذن ثالث؛ فات عليه تجهيز مغيرات جوه، يسلم عليه بحفاوة تختلف عن جفوة السابقين، يصافحه بقوة بل ويقالده، يعتذر عن أسلوب صاحبيه، ليضمه إلى المجموعة تحت حمايته، رغما عن أنفهم جميعا، بعد انضمامه للمجموعة جلس على مبعدة منهم يراقب إعدادات ماقبل بداية الرحلة، بينما هم منهمكون سحب كيس الملح، تحركت الحافلة، وصلوا إلى مكانهم؛ وجودوا مجموعة أولى من أصدقائهم؛ لم يكونوا يعلمون أنها كانت سباقة إلى المكان، وأنهم قد اختاروا الشجرة الأكثر ظلا، وتكرر السيناريو القديم، اكتشفوا أنهم يحتاجون لملح الطعام، فقاموا بإرسال أصغرهم (الذي أغفل ترتيبات جوه واستعان بآخر) ليأتي بالملح، هنا وقبل أن تمر الدقيقة الأولى والدقيقة الثانية، ناول الرفيق المبعد، صاحب الجو كيس الملح الذي سحبه من بين أغراضهم، لما احتقروه قبلا، هنا علا سهمه عند صديقه صاحب الجو، وأخرجهم جميعا من حرج السيناريو القديم.

مابين غياب الثقة في الآخر من قبل أصحاب المظلمة، وتغييب رأي المظلوم المتعمد أحيانا، ورعب أصحاب المصلحة الأزليين المستفيدين من حالة الميوعة السياسية التي كانت تحكم البلاد، من تجار الحروب والأزمات وفكي حوت المنظومة العالمية ومحاورها، تتأرجح سفينة السلام الذي تم توقيعه مؤخرا، السلام الحبل المشدود ما بين مصطلحي مخاطبة جذور الأزمة، وغياب الرؤية والإستراتيجيات المستقبلية التي يجب تحقق صورة السودان الذي نريد.

من نحن؟ أي سودان نريد؟ ما موقع السلام وماهي أهميته في برامجنا؟

أسئلة على كل منا أن يجيب عليها بشفافية، بعيدا عن الحفلات الجماعية وخطاب القطيع، يجب أن تشتمل إجاباتنا على كل ما من شأنه رفع كرامة الإنسان في أي بقعة من بقاعه، كل سوادني نسب إلى هذه البلاد، وإن كان في أركان الأرض وجيوبها، مالم نعمل على إيجاد صيغة تحقق هذه الرؤية، سيختفي كيس الملح مجددا وتتلون السيناريوهات، عليه يجب أن تفرض إجاباتنا، واقعا سياسيا واجتماعيا مغايرا للواقع السابق؛ محطمة كل الأصنام، فقد عرف كل أناس مشربهم، الشيء الذي يحتم علينا، أن نعيد فرش أمتعتنا للعراء أمام بعضنا بلا خجل ولا مواربة؛ رغم قسوة هذه الخطوة لكنها المنجية. على المكونات المجتمعية، وأحزابنا السياسية أن تفعل مبدأ  النقد الذاتي، وأن تعترف بأن ظلال الحقبة الماضية كانت أكثف من قدراتها، عليها أن تستغل التغيير الحالي وإن كان ظاهريا، في أن تفرش متاعها، تعيد ترتيب برامجها وأولوياتها، بعيدا عن سياسة رزق اليوم باليوم، لتنظر إلى الأمام، لتكن رؤيتهم واضحة، تهتم بتأهيل الشباب داخل منظوماتهم السياسية، انخراطهم في الحلول الممكنة للتحديات اليومية، الخروج من ضيق العين، وضيق النظر، مسح  لعابهم الذي يسيل على الكراسي المهتزة غير المجدية، كل ذلك وغيره، يخرجنا من غياهب هذا الجب، لأن المجموعات السياسية والنخب هم من يتلاعبون بكيس ملح رحلة السودان.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى