الرأي

ربما بخُفي حُنين..!

قُوَّاد عسكريون و(أشباه عسكريين)، سياسيون و(أشباه سياسيين)، وآخرون لا ينتمون لا إلى أولئك ولا إلى هؤلاء، بل ينتمون إلى فئة الانتفاع الانتهازي من كل وهدةٍ طارئة ومؤقتة يقع فيها هذا الوطن المكلوم، لا ينبغي -من باب الحكمة- أن نتجادل حول نواياهم أو مُبتغاهم مما يقومون به من أنشطة في أعقاب انقلاب 25 أكتوبر المشؤوم. فقد كثر الحديث هذه الأيام عبر المنابر الإعلامية والوسائط الإلكترونية المختلفة حول تمدًّد غول الفساد (مرةً أخرى) في دهاليز مؤسسات الدولة وخدمتها المدنية، بعد أن كنا قاب قوسين أو أدنى إبان توالي مجهودات لجنة إزالة التمكين المغدورة من محاصرته والقضاء عليه بيد القانون والعدالة والإرادة الشعبية.

قادة الحركات المسلحة والذين حولهم من النفعيين الجُدد، قرَّروا واختاروا طواعيةً موقعهم في معركة (الحق والباطل) التي تدورُ رحاها الآن بين مُعسكري الشعب السوداني والطُغاة الغاصبين. فعلوا ذلك وهم تحت أنظار (الوعي التام) بما يدورُ أمام وخلف كواليس الواقع السياسي السوداني المرير، راشدين وبالغين ومُدبَّجين بسنوات من الخبرة العسكرية والسياسية التي تتيح لهم -بكل يُسر- أن يعرفوا ما كان ينبغي أن يكون عليه (موقعهم) أو (موقفهم) من هذا الصراع. فإما مع الشعب السوداني والحرية والسلام والعدالة، وإما مع الطاغوت والقتل والتجويع والإذلال والسباحة ضد تيار الإرادة الشعبية الحرة الأبية المُنتصرة لا مُحالة.

قادة الحركات المسلحة ومن يقف خلفهم وخلف (خيباتهم) اليوم، اتضح في نهاية الأمر وبعد الفحص والتمحيص الذي أتاحتهُ الوقائع الدامية في عهد الانقلاب على الثورة أنهم ليسوا طُلَّاب سلام ولا حرية ولا عدالة. إنهم بكل بساطة طلاب جاه ونفوذ وسُلطة، وفي سبيل الحصول على ما يطلبون باعوا أهم (كنزين ثمينين) كانوا يدَّعون يوماً ما أنهم سيفدونهما بالمُهج والأرواح والإخلاص المُبرأ من المصالح الشخصية:

٠ الكنز الأول: قواعدهم الشعبية في دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة وشمال كردفان من اللاجئين المسحوقين جرَّاء الإبادات الجماعية وفقدان الممتلكات والعجز عن العودة إلى مناطقهم الأصلية، (هذا إذا سلَّمنا جدلاً بأن السلام والأمن قد حلا وأصبحا واقعاً ملموساً). فقدوا بموقفهم البائس هذا أولئك الكادحين الذين طالما تاجروا باسمهم وباسم قضاياهم وجابوا بها العالم يتسوَّلون المساعدات المادية واللوجيستية التي لم ينتفع بها سوى القادة في فنادقهم الفارهة. لقد علم إنسان الهامش أن قضيته المصيرية ومطالبه المُستحقة لم ولن تمثلهُ في معركة اقتلاعها الحركات المسلحة وقادتها الغارقون في النعيم والسلطة والجاه.

. الكنز الثاني الذي خسرته الحركات المسلحة وقادتها: هو ما تبقى من الشعب السوداني الذي هتف في أوج غضبتهِ وتضحياته الجسام: “يا عسكري ومغرور كل البلد دارفور”، لأنهم -بكل باسطة- ساندوا من يحاول حتى الآن القضاء على آمالهم وطموحاتهم، كما أنهم أصبحوا ذراعاً سانداً لهُ في محاولاته اليائسة لمقاومة إرادة الجماهير الحُرة المنتصرة بإذن الواحد القهار.

لكل ما سبق، علينا أن نعلم أن مسيرة هذه الثورة الشامخة ستتواصل دون انقطاع إلى أن يمثُل (السودان الجديد) أمام أعيننا مارداً أبياً كريماً مرفوع الرأس. وبذلك تكون كل فئةٍ قد نالت مُرادها، فحين تدخل عبر باب الحق نسائم الحرية وتخفق لها رايات السلام الحقيقي وتتمدَّد أذرع العدالة، سيخرج من الباب الآخر طُلَّاب الجاه والمال والسلطان بما خفّ أو ثُقل من عرض الدنيا الزائل أو ربما بخُفي حُنين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى