حوارات

رئيس مبادرة أساتذة جامعة الخرطوم بروفيسور منتصر الطيب لـ(الديمقراطي): يجب إعادة الجماهير والقوى الحية التي صنعت التغيير إلى دائرة الفعل

 

حوار- ماجدة عدلان

أكد رئيس مبادرة أساتذة جامعه الخرطوم بروفيسور منتصر الطيب، أهمية الالتفاف حول مبادرة الطريق إلى الأمام التي أطلقها رئيس الوزراء مؤخراً، وقال منتصر: نأمل أن يكون في المسعى ما يفتح الطريق لما فشل فيه السودانيون منذ الاستقلال، وهو الاتفاق على وطن يحتوينا جميعاً، وتتحقق فيه طموحات أجيالنا، ويرقى لتضحيات الشهداء، شارحاً معوقات التحول والانتقال الديمقراطي، وكيفية إخراج البلاد من أزماتها. وأشار إلى أهمية الاتفاق على أسس ومناهج عامة لإدارة الفترة الانتقالية، منها شمول التشاور للجميع دون استثناء إلا لمن ولغ في دم أو خصومة، وقال إن هنالك شكلاً واحداً لإملاء الإرادة وهو الانتخابات.

*إلى أي مدى يمكن نجاح مبادرة الطريق إلى الأمام التي أطلقها رئيس الوزراء.. وما هي مطلوبات هذا النجاح؟

أرجو أن يُكلل ما أنتم بصدده بالنجاح ويكون في هذا المسعى ما يفتح الطريق لما فشل السودانيون فيه منذ الاستقلال، أي الاتفاق على وطن يحتوينا جميعاً، تتحقق فيه وبه طموحات أجيالنا القادمة، ويرقى لتضحيات الشهداء والجرحى. ويحزن المرء أن يبادر البعض بمغادرة المبادرة حتى قبل أن تلتئم اجتماعاتها، رغم تحفظاتهم المعلومة والمتفهمة، ذلك لأن الاحتياج الآن لتوسيع قاعدة التشاور، لإخراج السودان من أزماته التي تفاقمت بصورة متزايدة في أعقاب ثورة عظيمة، ارتفعت فيها التوقعات وتجلت فيها العزائم. ربما علينا النأي بأنفسنا قدر الإمكان من متلازمة السياسة السودانية منذ نشأة الحركة السياسية في ثلاثينيات القرن الماضي، أي الاتفاق على أن لا نتفق.

لكل ما تقدم عن العضوية الواسعة لهذه اللجنة التي ربما تكون حائلاً دون تبادل الآراء والتشاور الفعال المباشر، فقد رأيت أن أسجل هذه النقاط و أشاركها معكم والرأي العام السوداني. اسمحوا لي في البدء أن أقر بأن العديد مما يلي ليس رأياً شخصياً، ولكنه مستوحى من نتاج مشاورات واسعة ابتدرها أساتذة جامعة الخرطوم وجامعات أخرى، باستصحاب خبرة طويلة في تحديات الانتقال الذي كان لأساتذة الجامعة قدح معلى منذ أكتوبر ٦٤ وأبريل ٨٥ تلخصت في مقترح الانتقال السلمي للسلطة، الذي وقع عليه قرابة السبعمائة أستاذ في فبراير 2019 قبل سقوط نظام الإنقاذ، وفيما بعد في الورش التي سُلمت مداولاتها لرئيس مجلس الوزراء وتكللت بملتقى جامعة الخرطوم للانتقال العام الماضي. أذكر أنه في أعقاب المؤتمر الصحفي الذي عقدته المبادرة في فبراير ٢٠١٩، أن ذكر أحد السياسيين من الذين نكن لهم كل الاحترام في مقابلة مع تلفزيون روسيا اليوم تعليقاً على المؤتمر الصحفي للمبادرة “وما شأن الأساتذة بالسياسة”؟ هذا التصريح المقتضب يعكس جوهر الأزمة الوطنية الحالية، وتلك الهوة الواسعة بين المؤسسات السياسية من ناحية،  وغمار السودانيين والعقل المهني للأمة من ناحية أخرى. ولا يمكن تلخيص أزمة السودان بأنها أزمة، إلا إن كان القصد أنها أزمة السياسة والسياسيين من يودون ممارستها بعقلية الثلاثينيات. لن يجدي اللوم الآن رغم إغرائه، فتعثر الانتقال مسؤولية جماعية، ولا مناص من الشروع في الفعل بدل الاكتفاء بالنقد والشناف في وسائل التواصل، وإصدار البيانات الساخنة والتحليل السياسي المبتسر، ولنبدأ بما هو عملي في كيفية إخراج البلاد من أزمتها، والتي هي أزمة سياسية في المقام الأول كما تعلمون جميعاً.

ولنتفق على أمر واحد أنه لا يمكننا كسودانيين أن نتماهى مع أو نتفق على برنامج لحزب سياسي أو بعض الأحزاب أو الكيانات، وإن حسم الصراعات والتباينات السياسية مكانه الانتخابات وليس مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن يمكننا الاتفاق على أسس ومناهج عامة لإدارة الفترة الانتقالية، منها شمول التشاور للجميع دون استثناء، إلا لمن ولغ في دم أو مال، أو والى الطغيان، وأنه في الانتقال هناك شكل واحد لإملاء الإرادة، وهو الانتخابات وأشكال عدة لإبداء الرأي ليس من بينها القوة.

ولنبدأ بما هو جوهري، ألا وهو إعادة الجماهير والقوى الحية التي صنعت هذا التغيير إلى دائرة الفعل عبر إجراء انتخابات الحكم المحلي فوراً، أو في أقرب وقت. والتي يتحقق بها التوازن بين المسؤولية والاستحقاق والواجبات، وتتكامل الخدمات كالنظافة والصحة والتعليم ويزدهر الاقتصاد المحلي. إن النظافة ليست أمراً ضرورياً للصحة فقط، ولكنه عنوان البلاد وسكانها، ولا استثمار محلي أو أجنبي أو خلافه في بلد مليئ بالنفايات، (أليس بينكم شخص رشيد يقول كفى من هذه الأوساخ)؟ والحُكم المحلي أولوية مثله مثل المجلس التشريعي، فالديمقراطية لا تساوي البرلمان، ورأينا كيف أنه في تونس والعراق ولبنان أن الانتخابات دون وجود مشروع وطني، تكون فيها شرعنة للانقسام والتدهور الاقتصادي. إن قيام مجلس تشريعي (غير منتخب) ودون اتفاق سياسي ووطني، سينقل الصراع من أضابير الغرف والقاعات المغلقة إلى الفضاء العام، ولذا كانت الرؤية في مبادرة الجامعة أن تكون مهام المجلس التشريعي (أسمته مبادرة الأساتذة المنبر الدستوري) محددة، ومن أهمها التجهيز للانتخابات والإشراف على عملية صناعة الدستور، على أن تصبح مهمة الحكومة تنفيذ البرنامج الذي توافقت عليه القوى الواسعة التي قامت بإحداث التغيير، وأن يراقب المجلس التشريعي تنفيذ ذلك البرنامج وأداء الحكومة.

*هل تستطيع هذه المبادرات حل المشكلة السياسية والاقتصادية المستعصية؟

كلنا أمل الآن في ألا يتحول هذا المنبر إلى امتداد للحوارات والمفاوضات الممتدة بين القوى السياسية، (وتشمل قوى الكفاح المسلح) المتواصلة منذ سنوات النضال ضد الإنقاذ وما قبلها والمنتهي عادة بتوقيع المواثيق والإعلانات السياسية، فلا وقت فعلي لذلك الآن، بل أرجو أن يكون منصة للانطلاق نحو مهام إسعافية وعملية، واستشراف آفاق وطن جديد، بمناقشات شفافة تحدد المواقف المختلفة، وتخاطب التناقضات وتعمل على تقليصها، لا احتياج لنا فيها تكرار المكرر، وتجريب المُجرب.

وفي حال توفر حد أدنى من المسؤولية والإرادة السياسية، على القوى السياسية والتي أعلنت في بداية التغيير عن تعففها من المشاركة في السلطة والحكم إلى ما بعد الفترة الانتقالية وإجراء الانتخابات، ولكنها صارت اليوم منهمكة في ممارسة السُلطة، وبعد أن صار ذلك واقعاً، لا بد من معادلة جديدة تنقل ممارسة السُلطة من رؤية الحزب إلى رؤية الوطن، وهو أمر مُمكن، وذلك عبر إعلان  الوزراء والولاة الحزبيين عن فك ارتباطهم بأحزابهم خلال فترة التكليف، مما ينسجم مع شعار استقلالية الخدمة المدنية.

*الدولة السودانية المدنية ماذا ينقصها؟

لا يمكن إكمال الانتقال بنظام المحاصصات، والذي سيحول الدولة السودانية إلى إقطاعيات صغيرة متفرقة ومتشاكسة. تلك المعادلة تتضمن أيضاً الاتفاق على برنامج حد أدنى يعمل على توسيع القاعدة الاجتماعية والسياسية للانتقال، ودعم وتوجيه سلطة الدولة لإعطاء أولوية قصوى للقضايا التالية:

السلام

يجب ألا يتم السلام عبر تفاوض على نهج الإنقاذ، والبلاد تشهد عملية تغيير كبرى في كيفية الربط بين النقاش الوطني الشامل مثل الذي في هذه القاعة ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وغيرها من ناحية، وذلك الذي تقوم به الدولة مع القوى المسلحة من ناحية أخرى، وهو ما كان يجب أن يكون عليه الأمر في جوبا.

2-حشد موارد الدولة

يجب حشد موارد الدولة لمواجهة التحديات، وعلى رأسها تحدي المعيشة الذي أصبح مهدداً ليس للتغيير فقط، بل للتماسك المجتمعي والدولة نفسها، ويتضمن حشد الموارد أيضاً لجم النزعات الاستهلاكية (مثل السيارات والسلع الفاخرة، والاستهلاك غير المحدود للكهرباء)، وتوفير المواصلات العامة للفئات محدودة الدخل ولو بإجراءات مؤقتة، والحد من التضخم لفتح الطريق أمام الادخار، وإصلاح النظام الضريبي على المستوى المحلي والقومي.

3-البطالة

انعكاس للنمط الاقتصادي للإنقاذ، التي حولت الشعب إلى ميدان السمسرة، ولكنها الآن أصبحت أشبه بالعقاب للشباب الذي قام بالتغيير، توظيف الشباب مسؤولية مجتمعية، ولا بد من خطة للتوظيف يشترك فيها القطاع الخاص والدولة والشباب أنفسهم بأرقام محددة ومُعلنة بجدول زمني.

الدولة والمجتمع الدولي حريصان على عافية وازدهار القطاع الخاص، ولكن لا يجب أن يكون ذلك عبر المواصلة في نهج الإنقاذ الذي أطلق العنان لآليات السوق لتعربد دون وازع أو رؤية لتنمية البلاد. غياب الرؤية للقطاع الرأسمالي الذي نشأ في كنف الإنقاذ عنوانه مناطق سكن “الأثرياء الجدد” وأحيائهم “الراقية”، والتي هي الأكثر قذارة في العاصمة وفي جوقتها طبقة وسطى عريضة تخلقت من رحم الإنقاذ والفساد، الهجرة وهوجة النفط فشلت الدولة في التحكم في استقطاع الضرائب منها وتوظيف فوائضها فيما ينفع الناس، أنظر إلى المركبات الخاصة في العاصمة التي تدعم اقتصاد كوريا واليابان و(كمان بوكو حرام).

السودانيون قلقون من تنامي النزعات الجهوية والاثنية

4- تنامي النزعات الجهوية

السودانيون قلقون من تنامي النزعات الجهوية والاثنية، والمفصحة عن نفسها في بيانات بعض القيادات الأهلية، وهي أيضاً من تركات الإنقاذ التي أججت تلك التوجهات، وسارت في ركبها القوى السياسية في جلبة تعيين الولاة المدنيين في خطوة تجاه تقنين الحروب الأهلية، لا بوجهة سياسية كما كان الأمر بل بوجه اثني فاضح. الدولة والسودانيون، لابد أن يكون لديهم احتمال صفري لهذه التوجهات، والتلويح باستعمال القوة من أي طرف كان.

*كيف يُحكم السودان وما هي الآلية المناسبة لذلك؟

يجب النظر في إيجاد دورملائم للإدارات الأهلية، وتقنينه في صيغة مجلس الشيوخ أو الحكماء أو غيره، يضم رموزاً اجتماعية سودانية أخرى، يكون له دور تشريفي اجتماعي، يحفظ لهذه الإدارات وقارها وفضلها ودورها التاريخي وأثرها في السلم الأهلي، ويُنجيها من وعثاء التقلبات السياسية والاستغلال من ذوي الغرض.

أما بقية المهام فهي لا تنتظر إلا التنفيذ، فقد توافقنا عليها جميعاً خلال أسبوعين من المداولات في ملتقى الجامعة من قوى سياسية وقوات نظامية ولجان مقاومة مثل تشكيل المحكمة الدستورية، ومجلس القضاء والمفوضيات كمفوضية الخدمة المدنية والفساد، واللتين يتكامل دورهما مع آليات تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، والإسراع في المحاكمات لرموز النظام السابق، وغيرها من المستحقات المؤجلة دون مبرر. على رئيس مجلس الوزراء والسلطة الانتقالية، ألا ينتظر انقضاء أعمال هذه الآلية للمضي قدماً فيها، فلا توجد نصوص دستورية تجعل من القوى السياسية اتفقت أو اختلفت حاكمة، خلال الانتقال خارج إطار المجلس التشريعي، ولا يُمكن خلق اجماع كامل على أي أهداف اليوم أو في المستقبل، ولكن يمكن الخروج بحد مقبول من التوافق السياسي الذي يضمن الوصول إلى مبتغى الانتقال.

لن تتعدى أعداد السودانيين المشاركين في مستويات الحكم والسلطة المختلفة بنهاية الانتقال بضعة آلاف، اذا ما قيض للفترة الانتقالية النجاح مما يخنق المشاركة الجماهيرية ويحصرها على النخب، ويشيع روح التوكل واللوم والتعفف عن ممارسة السلطة. جل الديمقراطيات الراسخة تقوم بها انتخابات للحكم المحلي قبل انتخابات البرلمان، ليس فقط لضمان التمثيل القاعدي، ولكن لإشاعة روح المشاركة الفعلية في العملية الديمقراطية، وهو ما لم يؤبه له خلال الفترات الديمقراطية السابقة.

ربما كانت هذه النقيصة هي الثغرة الأساسية التي نفذت منها القوى المعادية للديمقراطية في التجارب الماضية، والتي تستغل الفجوة التلقائية الناشئة بين الجماهير وممثليها في ظل النمط البرلماني التقليدي.

الحكم المحلي أو الحكم المباشر أو الحكم الذاتيجميعها تدل على مستوى للحكم والتمثيل في المستوى القاعدي، حيث الانتخاب والتمثيل المباشر لمن يتولون تسيير وإدارة حياة الناس اليومية، وحيث قضايا المعاش وما ينفع الناس. وفي السودان يتبوأ الأمر منزلة خاصة لاتساع رقعة البلاد، ودرجة التنوع الثقافي والاجتماعي الذي لم تُحسن إدارته، مما أفضى إلى أزمات متفاقمة واستفحال قضايا المركز والهامش، ومسائل تقسيم السلطة والثروة، التي ما زالت تراوح مكانها منذ عقود. المفارقة أن الإدارة الاستعمارية فطنت لذلك مبكراً، وخلقت آليات للمشاركة القاعدية اعتماداً على الواقع الاجتماعي حينها، حتى يتسنى لها إدارة البلاد بسهولة.

*ما هي التحديات التي يواجهها الانتقال السلمي للسلطة؟

اليوم يواجه الانتقال نحو الديمقراطية بعد ثلاثة عقود عجاف من مصادرة الحقوق والحريات، يواجه عين التحديات التي أقعدت بتجارب الانتقال السابقة، وفتحت الأبواب مشرعة للديكتاتوريات، وعلى رأسها غياب الرؤية الوطنية الجامعة، وضعف المشاركة الشعبية. لقد طرحت مبادرة أساتذة جامعة الخرطوم بناءً على استقراء للتجارب السابقة، أهمية قيام انتخابات مبكرة للحكم المحلي في الفترة الانتقالية، ويُراعى فيها زيادة وحدات التمثيل القاعدي، مما يسمح باختيار العناصر المجربة التي لعبت دوراً في التغيير، وهي أيضاً سانحة للقوى السياسية والقيادات المجتمعية المستقلة لخلق صلة مع قواعدها، وصقل تجربتها ولكن وقبل ذلك كله للأسباب التالية:

*العمل في المجالس أو البلديات عمل تطوعي.

*الحُكم المحلي يعطي المواطن حق الإشراف المباشر على التصرف في الموارد للانفاق على الخدمات من تعليم وصحة.

*الحكم المحلي يعطي صلاحيات واسعة للسكان لتحسين وتطوير بيئتهم المحيطة، من طرق وتشجير ونظافة وإصلاح البنية التحتية.

*الحكم المحلي يصنع وظائف من بين الوسط المحلي.

*الحكم المحلي يتولى فيه المواطنون تنظيم شؤون أمنهم ووصولهم للسلع وابتداع أشكال التوزيع، لملاءمة وتبني النموذج الاقتصادي الملائم لهم إن كان تعاونياً أو غيره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى