دية البقرة الفريزيان ودية الإنسان في السودان:

مولانا/ علي خليفه حسن
قال لي صديقي المحامي: خرجت اليوم مبكراً ، فلدي عدة جلسات في المحكمة ، حتي أتجنب الزحام الصباحي في الشارع
وعندما دخلت إلي قاعة المحكمة وجدت القاضي يتلوا قرار الحكم بخصوص بقرة موكلي التي صدمها أحد الأشخاص في الشارع ، وقد قضت المحكمة بإن يدفع المتهم (مليون وخمسمائة ألف جنيه سوداني) لموكلي ،الذي بدا مستاءا وغير راضياً من الحكم ، فبقرته الفريزيان التي تحلب أكثر من ثلاثين رطلا تستحق أكثر من ذلك
قال لي صديقي خرجنا من قاعة المحكمة وجعلت أقنع موكلي بأن يقبل بالحكم وأن يستعوض الله في بقرته
قال صديقي: ثم دخلت إلي القاعة المجاورة للاستماع لقرار في قضية أخري في وفاة رجل مات أثر حادث مروري ، وقد حضر ورثة المرحوم ، زوجته وأبنائه الخمسة القصر،ثم شرع القاضي في تلاوة قراره والذي قضي بأن يدفع المتهم مبلغ (ثلاثمائة وثلاثون ألفا) دية مسلمة لورثة المتوفي
قال لي خرجت من قاعة المحكمة ومعي أطفال المرحوم أسوقهم أمامي إلي خارج القاعة وأمهم من خلفهم وهي تتسند على الجدار ولا تقوى على السير ، حتي وصلنا إلى الشارع
وحملتهم بسيارتي إلي بيتهم المستأجر في أحدي أطراف الخرطوم
فأنا موقن أن لن يكون لديها من المال لتصل إلي بيتها
ثم تركتهم عند الباب ومضيت وأنا أنظر في مرآة السيارة إلي الأطفال الخمسة من خلفي ، وهم لا زالوا وقوفا أمام بيتهم ينظرون إلي وأنا أغادر المكان وكأنهم يطلبون مني البقاء
وقد آلمني المنظر وأنا أشاهد أصغرهم ، البالغ من العمر أربعة سنوات يلوح لي بيده مودعا
وأنا في إلى البيت جالت في خاطري كثير من الأفكار والرؤى
أين الدولة ؟
أين الدولة من هؤلاء ؟
أين رئيس قضائها ؟
أين نائبها العام ؟
أين وزير عدلها ؟
بل أين إنسانها ؟
ولكن الفكرة التي ملأت خاطري كانت هذا السؤال
هل البقرة الفريزيان الهولندية أكثر قيمة من الإنسان في السودان ؟
أم لأنها تحلب أكثر من ثلاثين رطلا وأن الإنسان في السودان لا يحلب شيئا ؟