حوار مع المفكر التونسي عبد المجيد الشرفي : قبول الحداثة هو الخيار الوحيد للمسلمين
أجرى الحوار خالد بن بلقاسم
يعتبر الدكتور عبد المجيد الشرفي أحد أبرز الباحثين والمفكرين التونسيين في دراسة الفكر الإسلامي وعلاقته بالحداثة، وهو من دعاة قراءة الموروث الديني الإسلامي اعتمادا على المناهج الحديثة للبحث العلمي. خالد بن بلقاسم حاور عبد المجيد الشرفي حول الإسلام السياسي والحداثة والظاهرة السلفية وحول مستقبل تونس على ضوء الحراك السياسي الذي يعيشه البلد.
كيف ترى مستقبل مشروع الحداثة بعد سيطرة تيارات الإسلام السياسي على الحكم بعد الثورة؟
عبد المجيد الشرفي: الحداثة عندي ليست مشروعا بقدر ما هي نمط حضاري نشأ في الغرب ولكنه أصبح كونيا بكل متطلباته المعرفية والمادية. ولهذا فليس للمسلمين من خيار آخر غير الانخراط في هذا النمط الحضاري. وما نظام الحكم الديمقراطي إلا أحد تجليات الحداثة، فكل محاولة للرجوع إلى نظام غيره قائم على الخلافة أو على أي شكل آخر من مزج الدين بالسياسة، محكوم عليها بالفشل عاجلا أم آجلا. وبما أن الديمقراطية تحتاج إلى وقت لتترسخ في الأذهان وفي المؤسسات، فإن الإسلام السياسي مضطر هو كذلك إلى التطور وإلى نبذ كل ما يتعارض مع مقتضيات حرية الضمير والمساواة بين الجنسين وبين جميع المواطنين بصرف النظر عن خياراتهم العقائدية والدينية.
هل محكوم على الحداثة بأن تكون في صدام مع الإسلام وهل هنالك مقاربة فكرية تقترحها؟
عبد المجيد الشرفي: لي احتراز دائما من هذه النظرة الماهوية للإسلام، التي تدعي صداما مع هذه الظاهرة أو تلك. إن فهم الإسلام وتأويله عملية مستمرة ما دام الإسلام حيا في النفوس، ولهذا فإن تأويلات معينة هي التي تكون في صدام مع الحداثة أو غيرها. والمقاربة الفكرية الضرورية في هذا الشأن هي التي تفصل بين ما يتصل بعلاقة الإنسان بالله وما يتصل بشروط العيش المشترك التي لا يمكن أن تخضع إلا للتشريع الوضعي القابل للتطور والتحسين.
هل تتعارض قيم الديمقراطية والاختلاف مع مفهوم الإسلام للحكم؟
عبد المجيد الشرفي: ليس للإسلام في حد ذاته مفهوم للحكم، ولو كان الأمر كذلك لما استمر في قلوب المؤمنين وسلوكهم رغم تغير الأنظمة، من الخلافة والملكية إلى الجمهورية، في ظل نظم دكتاتورية وأخرى اشتراكية وثالثة ليبرالية، وغير ذلك من التغييرات التي تفرزها حركة التاريخ. وإذا ما كان تعارض ما فهو بين اختيارات المتكلمين عن حق وعن غير حق باسم الإسلام.
أمام انسداد أفق الحكم في تونس وتنامي الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هل يمكن الحديث عن نهاية الإسلام السياسي؟
عبد المجيد الشرفي: الإسلام السياسي لن ينتهي بخروج الإسلاميين من الحكم، بل سيتقلص دوره ويصبح ظاهرة هامشية فحسب. لا ينبغي أن ننسى أنه يمثل ردة فعل على التأخر الحضاري، لكنه يخطئ في توصيف الحلول الناجعة للخروج من هكذا تخلف، وعوض أن يكون نضاله في تقديم الحلول الناجعة، يصبح من بين العوامل التي تكرس التخلف.
كيف تفسر انتشار فكر السلفية الجهادية لدى الشباب في دول الربيع العربي؟ وهل عجزت تيارات الإسلام السياسي الحالية عن استيعاب الظاهرة الدينية؟
عبد المجيد الشرفي: إن الظاهرة الدينية أعقد بكثير من أن تختزل في الإسلام السياسي بتياراته المختلفة. وإذا انتشرت السلفية الجهادية لدى الشباب فإن أسباب هذا الانتشار عديدة، ومن أهمها المال الذي تغدقه عليها الأنظمة الخليجية النفطية مباشرة حينا، وعن طريق منظماتها التي تدّعي أنها خيرية أحيانا، وكذلك فراغ الأنظمة التربوية، والأوضاع المعيشية الصعبة، وانسداد الآفاق، إلى غير ذلك مما يقتضي دراسات ميدانية علمية لتوضيح حقيقة الأمر.
هل هناك مستقبل للفكر الديني السلفي في تونس، أم أن اللجوء المبكر للعنف قد قضى على أي مستقبل سياسي أو مجتمعي أو فكري لهم؟
عبد المجيد الشرفي: على مستوى الفكر سيكون للسلفية دوما حضور في المجتمع التونسي كما في كل المجتمعات البشرية، فهي تمثل الحنين إلى الماضي والنزوع إلى المحافظة. وهما ظاهرتان لا يمكن أن يخلو منهما أي مجتمع. أما على المستوى السياسي فمن الأكيد أن السلفية لا حظوظ لها في تونس نظرا للتطور الذي شهده المجتمع التونسي، خصوصا بفضل تحرر المرأة ومساواتها بالرجل في أغلب ميادين الحياة. ومن الطبيعي أن أي تيار يستعمل العنف في الصراع السياسي سيخسر، طال الزمان أو قصر، لأن المجتمع لا بد أن يتصدى للعنف غير المشروع حتى يبقى هذا العنف حكرا على الدولة دون سواها.
كيف ترى مستقبل تونس على ضوء الحراك السياسي والمجتمعي الذي يشهده البلد؟
عبد المجيد الشرفي: تونس مؤهلة، بحكم ما أنجز فيها منذ القرن التاسع عشر من إصلاحات عميقة في الميادين التربوية والصحية والاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية، لأن تكون قاطرة البلدان العربية لجرّها نحو مزيد من التقدم. وما عرقلة قوى الجذب إلى الوراء للحراك الذي تعرفه إلا صعوبة عابرة مدعوّة إلى أن تتجاوز. لا توجد بالطبع حتمية في هذا المجال، ولكن عزائم التونسيين فيما أرى قوية وقادرة على تخطي العقبات الظرفية.