الرأي

حادثة السوق المركزي ماتت الدولة وليس الشهامة

قبل أيام قامت مجموعة من المتفلتين بمهاجمة شخص اجنبي في السوق المركزي وتم نهبه امام الملأ دون أن يتدخل احد لمساعدته، وقام احد المتفرجين بتصوير الحادثة فيديو ونشرها في وسائل التواصل فإنتشرت بشكل واسع ووصلت إلى السادة المسئولين عن آمن البلد (الشبعانة هملة)  فتحركت السلطات والقت القبض على الشباب المتفلتين وسريعا حاكمتهم، وقد اتضح انهم معروفين لديها  معتادي إجرام لم تفلح سجونها في اصلاحهم وتهذيبهم.
مثل هذه  الحادثة أصبحت عادية بل مألوفة وتتكرر  لدرجة ان الناس لا يبلغون الشرطة، فإن لم يصاب احد بمكروه يحتسب ما نهب منه ويحمد الله على سلامته فلا توجد سلطة ترد له حقه، وإذا اجرينا استطلاع لنعرف كم شخص يتعرض للنهب يوميا بمثل هذه الطريقة سنكتشف انهم  كثر  فالبلد موبوءة بالعصابات والحكومة ضعيفة بل (مافيها) كما إعترف البرهان نفسه.
في الحقيقة يخاف المواطنين من التدخل وتقديم المساعدة في مثل هذه المواقف لأسباب منطقية، فقد يتورطون في المشكلة ويتحولون إلى ضحايا بشكل ما فالحق في هذه البلد يضيع بسهولة، هذا غير أن هناك جهات تتبع للحكومة تمارس النهب ويمكنها قتلك ورميك بكل بساطة، ولهذا أصبح كل شخص يفكر الف مرة قبل أن يقدم على مساعدة الآخرين الذين يتعرضون للنهب، خاصة في مناطق مثل الأسواق حيث لا يتعارف الناس وقد لا يجد المتدخل من يناصره، وعليه التدخل نفسه مرتبط بحس الإنسان الأمني وتقديره لسلامة نفسه، فمثلا نجد نفس الشخص الذي لم يتدخل في حادثة المركزي نجده يتدخل بلا تردد في حادثة أخرى وقعت في منطقتهم أو في مكان يجمع ناس بينهم تجانس حيث لا يمكن للحقيقة أن تضيع.
علق الكثيرون على الحادثة ينعون الشهامة ،منهم من كتب على صفحاته أو في وسائل التواصل أو على الصحف، بل وتم مناقشة الامر في وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والجميع  يتساءل هل  ماتت قيمة الشهامة في السودان؟ نقول لهم الشهامة لم تمت ولن تموت لأنها قيمة إنسانية ولكنها مرتبطة بالظرف، فالذي مات هو  الدولة وضمير المسئولين المجرمين الحقيقين الذين لو لا تقاعسهم وفسادهم لما اصبح الانفلات الأمني واقع ولما تحول هؤلاء الشباب إلى مجرمين، ولولا أن الشعب السوداني شعب شهم وصلب لانهار منذ عقود وتخلى عن بعضه في ظل نظام  عصابة الحركة الإسلامية السابق والحالي الذي يقوده جيشها المتحالف مع عصابات النهب المسلح وتجار الدين والسياسة والمصالح.
عموما في ظل الظروف التي نعيشها اليوم التدخل بالتصوير أكثر جدوى من التدخل الشخصي، لانه يفضح الحكومة ويحرجها امام العالم ويضعها امام المسئولية التي تخلت عنها، وفي حادثة السوق المركزي هذه إن لم يقم احدهم بتصوير الحادثة ونشرها لما سمعت بها السلطات ولضاع حق الرجل وظل المجرمين طلقاء يهاجمون اخرين ويتربصون بكل اجنبي، ونقول للمواطنين صوروا حوادث النهب وانشروها إذ تبين أن الحكومة الانقلابية لا تعيد للناس حقوقها الا عبر هذه الطريقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى