الرأي

جيوش في دولة بلا قانون

عندما تتبنى دولة لغة (الغاب)، ويصبح انتزاع (المطلب) مكفولاً بقوة السلاح، وتسود ثقافة أن الذي يملك السلطة والسلاح هو الأقوى وكلمته هي المسموعة، ويضيع القانون والعدل تحت طبول القتل والسحل والاغتصاب العلني، وتعيش دولة بلا عدل أو تنفيذ حقيقي للقانون لسنوات طويلة، فإن الفوضى هي ما ستصل إليه الأمور.
ما حدث في القسم الشمالي الخرطوم سيتكرر، وربما يقود إلى صدام أكبر مع انتشار السلاح بلا رابط، وعدم تحديد من هو المسموح له بحمله مع تعدد الجيوش.
القوة التي قامت بذلك هي (تمازج)، وهي واحدة من القوات التي وقعت على اتفاقية (استسلام جوبا)، تحاول أن تثبت نفسها وهي ترى التهميش الذي تتعرض له بالمقارنة مع القوات المتمردة الأخرى التي وقعت مثلها ذات الاتفاق، لذلك تتعامل بردة فعل عنيفة كلما واجهت موقفاً ترى فيه أنها لا تعامل فيه مثل المجموعات الأخرى.
هذه ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة. ستدخل هذه القوة في صراع مع السلطة والقانون إذا لم يتم تقنين قواتها وصلاحياتها، وفي كل الأحوال فإن (الخير يخص والشر يعم)، حيث لا يفرق البعض بينها والدعم السريع أو العدل والمساواة أو تحرير السودان وغيرها من القوات التي (تحوم) داخل البلاد بلا ضابط ولا رابط.
وقبل أن ننادي بدمج قوات الدعم السريع الأكثر تنظيماً، فالأجدر أن ننادي ليبدأ الدمج بهذه المجموعات الصغيرة التي تعمل بلا قيادات واضحة أو ضوابط محكمة، وقد وضح من سجلات الأحداث أنها تتعامل بصورة فوضوية، وتمارس أحياناً أعمالاً غير قانونية لتغطية منصرفاتها، وقد طلبت منذ فترة فك شحنة مخدرات تخصها لتدريب جنودها، كما أنها توسعت في توزيع بطاقاتها العسكرية بصورة غير محسوبة حتى أصبحت هاجساً للسلطات الأمنية.
من حق كل الموقعين على اتفاقية جوبا (المعيوبة) المطالبة بتسديد الالتزامات المنصوص عليها في تلك الاتفاقية، وهذا ما يجاهد وزير المالية عليه بالضغط على جيب المواطن الغلبان، ولكن من حق هذا المواطن الذي اقترب من الجوع أيضاً أن يرى ثمرات هذا الضغط المعيشي سلاماً وأمناً على الواقع، والمؤسف أن يصبر على ضنك العيش ويفقد في ذات الوقت الأمن والأمان.
على السلطة الانقلابية أن تعمل على تسليم السلطة المدنية القادمة إحصائيات متكاملة عن عدد قوات كل حركة من تلك الحركات، وكيف يتم تسديد مطلوباتها وإيقاف هذه الفوضى، وإلا فإن البلاد موعودة بأكثر من فوضى الخطف والقتل والسرقة والاغتصاب.
والقادم سيكون أسوأ..
والثورة ستظل مستمرة..
والقصاص أمر حتمي..
*نقلا عن الجريدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى