الرأي

جنينٌ يتبلوَّر ..!

المقاومة السلمية التي انتظمت عبر كافة قطاعات الثورة الحيَّة في 2019، والتي استطاعت -بجدارة- إسقاط أعتى الأنظمة الشمولية في إفريقيا والشرق الأوسط، لم تكن سوى ثمرة من ثمرات النضال السياسي المدني المُتنامي ضد الحكم الديكتاتوري الشمولي على مدى ثلاثين عاماً، قضاها الكيزان في حكم البلاد بالجبروت والطُغيان.

إن استمرار الطُغاة عبر واجهاتهم المختلفة، والتي يمثِّل آخر صورها قادة الجيش حالياً، في مقاومة بناء الدولة المدنية الديمقراطية في السودان، سيؤدي بلا شك إلى (تطوَّر) مُستمر ومتوالٍ في شكل ومضمون المقاومة السلمية. بحيث سترتفع فيها (جُرعات) العُنف والمواجهة الميدانية إلى أن تتحوَّل إلى مقاومة مسلحة، وتُلقي عنها -كُلياً- ثوب السلمية. وذلك ما جرت عليه طبيعة الأشياء، وما انتظمت عليه سُنة الله في الأرض عبر قراءة سريعة للتاريخ، وما سجَّلهُ من وقائع وأحداث في الحِقب الماضية والمعاصرة.

أما على الواقع المُعاش، فدونكم ما يحدث الآن من (تطوير) في شكل المواكب السلمية التي بلا شك أصبحت تختلف تماماً عن ما كان عليه الأمر في بدايات الحراك الثوري في 2013 و2019. فظهور مجموعات ثورية فرعية مثل: غاضبون بلا حدود، أو ملوك الاشتباك، هو أصدق دليل على هذا التغيير والاختلاف، والذي هو -بالطبع- قابل (للتطوَّر)، وتحيط به كافة الأسباب الشكلية والموضوعية الدافعة لقابليته للتطوَّر ، أو(التمادي) في توسعة رقعة حراكهِ الميداني عبر منهج (الاشتباك)، الذي هو في الأصل نمط من أنماط القتال، ومنهج من مناهج العمل العسكري، يحتاج في ترتيباته إلى إجادة التعامل مع مناهج عسكرية بحتة، أهمها: التكتيك، والتأمين، وتعطيل تقدَّم (العدو).

وقد ظلت لجان المقاومة المُنَّظمة لمعظم المواكب باعتبارها أهم صور التعبير الاحتجاجي المُتاحة حالياً، تُشير دوماً إلى أن الاشتباكات والمناوشات التي تحدث بين الأجهزة الأمنية والثوار المتواجدين في مقدمة الموكب إنما تستهدف إطالة المدى الزمني للموكب. هذا فضلاً عن (حماية) الموكب وتأمينه من (اجتياح) القوى الأمنية، وتعرُّض المشاركين فيه إلى الضرر البدني والمعنوي، وكذلك الاعتقال.

نقول للذين (يُهدِّدون) مسيرة المد الديمقراطي في السودان، ويحذِّرون من الفوضى التي عمت بعض البلدان المجاورة، باعتبار أن السودان به الكثير من الجيوش غير الموحدة، ولديها الكثير من الأسباب المنطقية واللامنطقية لتتقاتل في أي زمان وأي مكان: لا تنسوا أن تضيفوا إلى محاذيركم (جيشٌ) آخر هو الآن (جنينٌ) يتبلوَّر ويترعرع تحت طائلة الغبن والشعور بالظلم والإحباط، جرَّاء مقاومة الطواغيت للإرادة الجماهيرية الحُرة التي يُعبِّر عنها الحراك الثوري في الشارع الآن.

أخشى أن يستمر هذا التطوُّر المتوالي لمضمون وشكل (المقاومة السلمية) حتى يُسفر عن وجهٍ آخر وجديد عنوانهُ وسِماتهُ (المقاومة غير السلمية)، من باب (مُجبرٌ أخاك لا بطل)، بالنظر إلى ما نراه من تمادي الطُغاة في غيهم وسحقهم للثُوار، فضلاً عن مقاومة أمانيهم وأشواقهم في إرساء دعائم دولة مدنية ديمقراطية في السودان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى