جبريل باع قضية مفقودي حركته واشترى العسكر
قبل (14) سنة، قامت حركة العدل والمساواة بقيادة خليل إبراهيم بعملية هجوم على أم درمان سمتها (الذراع الطويل)، ورغم أنها نجحت في فضح نظام البشير الأمني والعسكري، ألا أنها خسرت الكثير في تلك المعركة، فقد فقدت عدداً كبيراً من الشباب والأطفال القصر الذين زجت بهم في معركة تعلم تماماً أنها خاسرة. وأعتقد كان هدفها إيصال رسالة إلى نظام البشير بأنها قادرة على الوصول إليه في الخرطوم التي يتحصن بها فقط، وهو عدم مسؤولية واستخفاف بأرواح الناس.
عملية (الذراع الطويل) كانت محرقة بمعنى الكلمة، فغير أعداد الذين قتلوا وأسروا هناك مفقودون لم يعرف مصيرهم حتى الآن، وظل جبريل إبراهيم يتجاهل قضيتهم عمداً كما فعل خليل، رغم أن معرفة مصيرهم ليس أمراً صعباً حتى وإن كانت الحركة في حالة حرب مع النظام المخلوع، وليس هناك مستحيل في السودان.
بعد سقوط نظام البشير، صار الأمر ممكناً بشكل رسمي وقانوني في ظل الحكومة الانتقالية، أما بعد الانقلاب فقد أصبحت حركة العدل والمساواة شريكاً قوياً لنفس العسكر الذين قاموا بقطع (الذراع الطويل)، وهم يعلمون ماذا حدث لمفقودي الحركة وأين هم. وعليه، من السهل على جبريل معرفة الحقيقة إن كان حريصاً عليها، لكنه لا يريد إثارة هذا الموضوع، فقد أصبح في مركب واحدة مع العسكر بل عاد إليهم، فهم جميعاً أبناء الحركة الإسلامية و(ودافننوا سوا).
قبل أسابيع، التقت مجموعة من أسر المفقودين في عملية (الذراع الطويل) برئيس الحركة، جبريل إبراهيم، طبعاً من أجل حمله على إنجاز هذا الملف، ولكنهم تلقوا الضربة القاضية، فمنذ البداية لم يوافق على مقابلتهم إلا بعد ضغوط كما قال ممثل أسر المفقودين في مؤتمر صحفي. وفي اللقاء، لم يتحدث جبريل بشكل مباشر عن ضرورة معرفة مصير أحبائهم، بل تجاهل الموضوع وطلب من الأسر أن تستعد للانتخابات. الأمر الذي شكل لهم صدمة قوية وجعلهم يشعرون بالمرارة والحزن والخذلان والندامة، لذلك قرروا تنفيذ اعتصام أمام مكتب جبريل بوزارة المالية.
حقاً هو أمر غريب ومستفز، وكأنما جبريل يقول لأسر المفقودين: “انسوا أحبائكم”، وإنه غير مستعد لمعرفة مصيرهم، ولن يضحي بمصالحه الآنية من أجل مفقودين لهم (14) سنة لم يعد يتذكرهم، ولا يشعر بأحزان أهلهم عليهم. وهنا تظهر شخصية جبريل الحقيقية التي لا تختلف عن البرهان والبشير وأي طاغية، فهو ابن الحركة الإسلامية وكفى.
عموماً، نقول لأسر المفقودين: اقنعوا من جبريل فهو إن كان مهتماً بقضية المفقودين لناقشها في اتفاق جوبا، ووضع شرطاً يضمن التحقيق في مصيرهم وتعويض أهلهم، مثلما ضمن إجراءات تسمح لأعضاء الحركة بتوفيق أوضاعهم، وبما أنه لم يهتم بهذا الملف طيلة (11) سنة وهو رئيس للحركة وخارج السلطة، لا أعتقد أنه سيفعل الآن بعد أن أصبح شريك العسكر في السلطة. وهذا هو جبريل الذي ظللنا نحذركم منه، فالرجل طبيعته الغدر والخيانة، وفي هذا لا يفرق بين قريب وبعيد.
باختصار، جبريل باع قضية المفقودين كما باع قضية دارفور كلها، وأصبح همه البقاء في السلطة مع العسكر لحماية نفسه، فهو أيضاً يتحمل مسؤولية انتهاكات كثيرة ويخاف أن تطاله العدالة، لذلك سيعمل مع بقية المجرمين على حماية بعضهم، وعليه لابد من العمل على تغيير هذا الواقع السياسي حينها تستكشف الحقائق ويتغير الواقع.