ثقوب الأنا والنرجسية في “حكاية الحداثة السعودية” !
المجلة – أربعاء, 06/11/2013 – 15:48
التاريخ: : الأربعاء, 6 نوفمبر, 2013
على الرغم من أن كتاب الدكتور عبد الله الغذامي الذي تناول فيه (حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية) قد صدر في عام 2004 إلا أن الردود مازالت تتوالى عليه، وتتعقبه بالنقد والتمحيص والمعالجة؛ لأن الحكاية -كما يقول مؤلفنا- مرتبطة بشخص (الغذامي) وانطباعاته و”أهوائه” أكثر من أن تكون مرتبطة فعليًّا بتأريخ حقيقي لتجربة الحداثة في السعودية.
الناقد السعودي الدكتور عبدالله الغذامي
عز الدين صغيرون، كاتب وشاعر سوداني ، هو ابن للصحافة السعودية والخليجية، جال قلمه بين صحيفة “عكاظ” السعودية، و”الاتحاد” الإماراتية، ومجلة “الدوحة” القطرية. في كتابه الصادر في فبراير 2013 (أوهام الحداثوية.. ثقوب في رواية عبدالله الغذامي لتجربة الحداثة السعودية) عن دار مدارك للنشر، يضع “صغيرون” الغذامي تحت مجهر الناقد المتربص الحاد الذي لا يبتغي تخفيف العبارة أو تنميقها تحاشيًا للألم أو المصادمة، وإنما تخرج منه مباشرة مندفعة صريحة، هو لايعترف بأن الغذامي في حكايته يقدم رواية تاريخية، بل هي أبعد ما تكون عن ذلك، إنها شيء “لايمكن الاعتماد عليه في رصد تطور الفكر السعودي، في واحدة من أهم محطاته التاريخية، فقط انهمك راوي الحكاية في سرد معاركه الشخصية الصغيرة، مستغرقًا في تفاصيل لاتكتسب أهميتها وقيمتها إلا من زواية ذاتية تهم الراوي وحده، وهو راوٍ يتمحور حول ذاته، فيظنها وقائع كبرى تهم الناس جميعًا”.
في هذا السياق يرى صغيرون أن رواية الغذامي لحكاية الحداثة في السعودية يمكن أن تفيد دارسي الإنتاج الأدبي الغذامي، وراصدي حياته الشخصية وتركيبته النفسية، أكثر مما تفيد في دراسة تاريخ الفكر السعودي، وتطور تجربته الحداثية.
وهذا سببه يعود بشكل واضح إلى تلك “النرجسية والتضخم الأنوي الذي يجعل صاحبه يمارس أسوأ أنواع الخداع الذاتي متصورًا مركزية أنوية ليغطي بها عجزًا بنيويًّا عن التمثل الحقيقي لمتطلبات (الحداثة) الحق، وهو بهذا يمثل الحداثوية العربية في أسوأ حالاتها”.
قسم المؤلف كتابه لثلاثة فصول: الأول تحدث فيه عن منهج الغذامي في روايته لتجربة الحداثة ومحدداته ومنطلقاته، وكان بعنوان يجملها ويلخصها (ثمة راوٍ .. ولكن أين الرواية؟!)، والفصل الثاني تحدث فيه عن الأفكار والطروحات الواردة في حكاية الغذامي خصوصًا سرده عن تطور المجتمع السعودي وتحقيبه للحداثة من التأسيس وحتى اليوم، كان الفصل بعنوان: (الحداثة في العقل الطفروي)، أما الفصل الثالث الذي جاء في مجمله مقيمًا وناقدًا لتجربة الحداثيين العرب بشكل عام، وأسباب فشلهم، وسر قفزاتهم البهلوانية الانتحارية، منزلاً ذلك في الأخير على تحولات الغذامي، وانقلابه للنقد الثقافي، ثم ارتدائه لزي الإحرام وأدائه للعمرة معلنًا توبته، واستعداده لحرق كتابه (الخطيئة والتكفير)، وفعل كل ما يرضي الإسلاميين، لكنهم – كما يعبر الغذامي متحسرًا في حديث لصحيفة عكاظ – “لم يسلموا عليه – أي الإسلاميين – ولم يفرحوا كثيرًا بتوبته، وما زالوا يتحاشون النظر إليه والسلام عليه، والصلاة بجواره، ونجحت الصورة النمطية التي رسمها محمد مليباري، وعوض القرني وسعيد الغامدي”.
تاريخ مختلق.. ملفق تمامًا
يطرح المؤلف هذا التساؤل في مطلع كتابه: (لماذا عبدالله الغذامي؟)، ويجيب: “إنه من أقوى الأصوات الحداثوية في المملكة، أو دعنا نقول بدقة لأنه الأكثر إنتاجًا ثقافيًّا، وبالتالي لأنه الأكثر حضورًا في ساحة الفعل الثقافي العربي من بين الكتاب السعوديين”. أما لماذا نتناول “حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية”؛ فلأن كاتبه قدم نفسه كناطق رسمي بها، في حين أنه قدم تاريخ الثقافة السعودية “بشكل مشوَّه للغاية.. إن لم نقل مختلق وملفق تمامًا”.
كتاب حكاية الحداثة للغذامي
عبثًا تحاول أن تجد في “حكاية الحداثة” عن كاتب أو كتاب، أو أي أثر ثقافي لمفكر أو مبدع، غير البطل الوحيد للرواية.
فرواية قصة تطور الحداثة في المجتمع السعودي على نحو صحيح وموضوعي ستعتبر “درسًا” لا غنى عنه لكل قارئ لتاريخ الثقافة العربية بوجه عام، ورصد تحولاتها ومراحل تطورها، وفهم صحيح لمساراتها المفصلية، وهذا ما لم يفعله الغذامي في روايته لتجربة الحداثة والتجديد في المملكة، وبالتالي فإن روايته هذه لن تفيد شيئًا لمن يسعى لقراءة تجربة الحداثة والتجديد في المجتمع السعودي، بل سوف تسبب لقارئها تشوهًا وارتباكًا، وسوف تكون ضارة لكل من يسعى إلى معرفة هذه التجربة من زاوية تاريخية موضوعية.
فهذه “الحكاية” باختصار هي “مسرح الرجل الواحد بعينه”، يمكنك أن تستشف ادعاء دور البطولة المطلقة التي ينسبها الغذامي لنفسه في المنجز الحداثي الذي لم يكتمل بعد على مستوى الخطاب، ومع ذلك تجده حين يستعرض أو يحاول قراءة أسلافه الحداثيين الذين تشكل أعمالهم إرهاصات حداثية في فضاء المراحل التاريخية التي عاشوا فيها، هو في كل قراءته لجهد أولئك يحصر جهده للإجابة على سؤال يضمر إجابته، وهو: لماذا لم ينجز الرواد ما استطاع أن ينجزه هو؟.. ومثل هذا السؤال الملتبس وغير المصرح به يكشف في الواقع عن إجابة تحيل على نتيجة تأكدت مسبقًا، تتمحور حول “الأنا”.
التاريخ بملاحقة الأشخاص
يتساءل المؤلف منطلقًا من السؤال المضمر السابق في رواية الغذامي، ويقول : “حين يحاول أي مؤرخ موضوعي للحركة الثقافية أو لتاريخ الفكر السعودي وتطوره، أن يقوم ويقيم مساهمة وتجربة الرواد فيه، فإن أول سؤال يخطر على ذهنه هو مدى حجم الاختراق الذي أحدثته هذه الحركة في النسق الثابت الذي كانت عليه الثقافة، لكن الغذامي بدلاً من أن يتجه ببصره إلى حركة المجتمع، نجده يتابع بعينه مصائر أولئك الرجال الذين طرحوا رؤاهم الجريئة، مع أن أي ساذج لايمكن أن يتصور أو يتوقع مصيرًا مبهجًا ورديًا لشخص يصدم الناس في ثوابتهم العرفية، ويحرك سواكنهم ويقلقها… لقد آثر الغذامي أن يلاحق أولئك الرواد في منافيهم الاختيارية – وبشيء من الشماتة – وكأن ذلك سيساعد في قراءة آثار حركتهم ومعرفة نتائجها”.
نتيجة لذلك قام الغذامي بتجريد أولئك النفر من الرواد من استحقاقاتهم المكتسبة اكتسابًا، ومارس ذلك بوعي، وتكتيك مألوف في استراتيجية “النفي والإثبات”، و”الشخصنة” بهدف تأكيد الذات والسبق.
لقد كانت خطيئة الغذامي في أنه حكم بفشل المشروع الثقافي برمته استنادًا إلى مصائر الرواد، ولاحقهم في القاهرة، وغيرها من المدن العربية مع أن “نطفة التجديد والتحديث زرعت في رحم الثقافة السعودية، وبالتالي فإن متابعة مراحل الحمل وتطور الجنين ينبغي أن تكون هنا في الثقافة الحاملة للنطفة، لا هناك بعيدًا حيث سافر أو هاجر أو اغترب صاحب النطفة!! .. أليس هذا هو المنطق السليم؟ .. بلى .. ولكنه داء (الشخصنة) قاتله الله”.
يعود المؤلف ويؤكد قائلاً : “ولكنني أزعم أن قراءة منصفة ومتجردة لتراث هؤلاء الرواد كمحمد حسن عواد، وحمزة شحاتة وغيرهم، ستكشف أنهم أكثر صدقًا وجرأة وجذرية في رؤاهم التحديثية، وفي طرحهم النهضوي من الغذامي ومجايليه الذين كانوا أكثر حذرًا وتقية، أو أقل وعيًا وأضيق أفقًا من أسلافهم”.
اسم الكتاب: أوهام الحداثوية.. ثقوب في رواية عبدالله الغذامي لتجربة الحداثة في السعودية.
المؤلف: عز الدين صغيرون
الناشر: دار مدارك للنشر 2013
الغذامي والسريحي.. وللحداثة إله واحد
إنك عبثًا تحاول أن تجد في “حكاية الحداثة” عن كاتب أو كتاب أو مقال، أو أي أثر ثقافي لمفكر أو مبدع، غير البطل الوحيد للرواية، الذي هز الجدل الثقافي، ومسح طاولة المشهد الحداثي، ولم يعد هناك مكان لأحد بعد أن حجزها هو بالكامل.
يتجلى هذا الإلغاء والأقصاء التام للآخر – كما يقول المؤلف – وبشكل واضح فاضح في قصة الغذامي مع سعيد السريحي– الذي يعتبر من أهم نقاد الحداثة– حيث يبدو في حكاية الغذامي كما لو كان نكرة طفيليًّا يتغشى مواقع الغذامي فارضًا نفسه (فهو شاب لم نكن نجهله، ولكن معرفتنا به خفيفة)، هكذا يصوره، “مع أن السريحي– لولا التقاليد الثقافية المشوهة– لاحتل موقعه المناسب واحدًا من أكثر النقاد العرب تفعيلاً وتوظيفًا عميقًا لمناهج النقد المعاصر”.
هذه هي النتيجة إذن .. “إلغاء دور الآخرين وإقصائهم من الصورة، لتكريس دور البطولة المطلقة للغذامي نفسه في حركة الحداثة في المملكة.. فكل مايمكن أن تعثر عليه في قصة الموجة الثالثة عدا (الخطيئة والتكفير) هو أطياف أشخاص بلا ملامح، يتحركون كالأشباح تحت ظل الكتاب وصاحبه.. فهم ينصبون له السرادق ويجهزون المكايرفونات، أو يشتغلون جواسيس له، وينقلون له أخبار مايحاك ضده من مؤامرات، ويكشفون له مواقع ماينصب له من شباك وفخاخ، وهذا هو قصارى دورهم وجهدهم وإسهامهم في حركة الحداثة السعودية كما يصورها لنا الغذامي”.
ومع كل ذلك يتعقب المؤلف حاكمًا مقيمًا لتلك الحركة الحداثية قائلاً: “حين يصف الغذامي بأن تجربة العشرينيات الميلادية يمكن أن يطلق عليها (حداثة النصف خطوة)، فإننا نجيز لأنفسنا أن نصف حركة الثمانينات التي نصب الغذامي فيها نفسه بطلاً، وجعل من كتاب (الخطيئة والتكفير) شرارتها الأولى بأنها (مجاز حداثة)، أو مجرد (حداثة افتراضية)، فهي حداثة بالنية ولم تكن على أرض الواقع”.
ماذا لو قرأه طه حسين؟!
وفي طور آخر من أطوار (التضخم الأنوي) يشبه الغذامي في أكثر من موضع صدى وأثر كتابه (الخطيئة والتكفير) بكتاب عميد الأدب العربي طه حسين (في الشعر الجاهلي)، بل إنه في نصوص أخرى يقول بأن ردة الفعل تجاه كتابه في الجسد الثقافي الرسمي والشعبي في السعودية فاقت ردة الفعل التي أحدثها كتاب طه حسين، “الأنا المتضخمة في سبيل تضييقها للواسع تذهل عن الفوارق والحقائق التاريخية والاجتماعية التي تكون في غاية الوضوح ولايمكن إلغاؤها أو تجاهلها وإغفالها دون أن تنسف الأساس التي تقوم دعواها عليه”.
لا يتمالك المؤلف نفسه أمام هذه التشبيهات المتمادية في التضخم الأنوي، فيمعن في ازدراء هذا التشبيه الذي يسوقه الغذامي بينه وبين طه حسين، قائلاً : “لا أشك في أن العمر لو امتد بالعميد ليقرأ مثل كلام الغذامي في صحيفة سيارة تلتقطها أيدي الصبيان والفتيات الذين لم يتفتق وعيهم بعد، ويظنون بمثل هذه القامات التربوية والعلمية الخير، لنسب الغذامي إلى فئات اجتماعية، وإلى أماكن أخرى في المجتمع، ليس فضاء الفكر والثقافة والأدب من بينها إطلاقًا”.
أكاديمي وإعلامي سعودي. [email protected]
لا أرى خصوصية حداثية في المملكة. كذلك لا وجود لطفرة. خذ سوريا مثلا كانت الحداثة تعاني فيها من ضغط ماكينة المدرسة الواقعية المدعومة من فكر سياسي اشتراكي.
ما الفرق إذا ان تعاني الحداثة من المطارة في المملكة و الغريم هنا هو الحركات الأصولية المدعومة من النظام.
مشكلة الحداثة لدينا اننا نعيش بعقلية مستورد للثورة الصناعية و نكتب بعقلية منتج للأفكار. و هذا لا يجوز. لأن العلاقة ليست شرعية. لأنها استهلاك و ليس انتاجا له ما يبرره على ارض الواقع.
فالخيال العلمي في أوروبا و التقنيات الحداثية هي من صلب الواقع المتطور الذي تتحدث عنه.