الرأي

ترنيمة الميلاد

«الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ». (لوقا 2: 14)

ترانيم الميلاد تراث قديم في التاريخ، من الأجدر إعادته إلى جوقة الملائكة، التي ظهرت في ليلة ميلاد السيد المسيح، معلنين أول “كريسماس كارول” بجوقة سمائية، في ترنيمة ترانيم عيد الميلاد، مسبحين مجدا للسماء، وسلاما على الأرض وسرورا في قلوب البشر. ظهرت بعدها أقدم ترنيمة التي لم يعرف أحد متى كُتبت، خمن البعض بأنها تعود لعام 1640، دون تأكيد. مطلعها تقول: “هلم بنا يا معشر المؤمنين إلى بيت لحم نسير منشدين”، التي تعبر عن موقف الرعاة بعد إعلان جوقة السماء. من أقدم الخطابات عن فرحة الميلاد للقديس أغطسينوس الذي قال ذكرى الميلاد يستحق احتفالاً، خاصاً بالفرح من أجل مرور الأيام، في سير الزمن حتى يصل بنا إلى إكمال السنة ليأتينا العيد. لذا لنحرص على الفرح الذي يقدمه لنا التواضع، المرتبط بمثل هذا السمو أي (بتجسد الكلمة)، فرح لا تعرفه قلوب الأشرار بالمرة. ذكرى ترنيمة الميلاد من أجل تغيير السلوك والمواقف، كان أمام (أبنيزر سكروج) مواجهة التغيير. العجوز الأناني، القاسي، الذي كان يحب المال على التمتع بها، لا يرغب المشاركة في الاحتفالات مع الأصدقاء والأهل. إنه الشخصية الرئيسية في رواية “ترنيمة الميلاد”، للروائي والمسرحي الشهير (تشارلز ديكنز 1812- 1870). جابهه (سكروج) خياران، إما أن يقوم بتغيير الناس من حوله وذلك مستحيل، أو يعمل على تغيير سلوكه تجاههم. في ليلة مرعبة يظهر شبح عيد الميلاد للتاجر البخيل (سكروج)، في مظهر صديقه (جاكوب مارلي)، الذي توفى منذ سبعة سنوات، فيرتعب من الخوف صارخا هذا هراء !. خداع، ولكن إنه مارلي بنفس الملابس، التي كان يرتديها دائما أثناء حياته، ظهر بسلاسل ملفوفة حوله وامتدت خلفه، كذيل من صناديق ادخار النقود، مفاتيح، اقفال، دفاتر محاسبة، وأكياس من النقود، يسأل (سكروج) إذا كان ما يراه هو صديقه (مارلي)، يؤكد له الشبح أنه (يعقوب مارلي)، فيرفض (سكروج) تصديق ما سمعه، يصرخ الشبح صرخة مرعبة في وجه (سكروج)، طالبا منه الامتثال لأوامره، ثم يستسلم للشبح، يسأل (سكروج) شبح (مارلي) وهو يحاول عبثا السيطرة على رعبه، لماذا تتمشى الموتى وتأتي إلي؟!، يجيب الشبح بطريقة ناقدة لحياة سكرول، بأن الإنسان الذي لا يزور رفاقه، ولا يشاركهم مناسباتهم، سيتحتم عليه فعل ذلك في مماته، متجولا عبر العالم متمما تقصيراته، لتحويل الاحزان إلى سعادة، لذا عليه أن يعوض ما ضيعه في حياته القصيرة. يسأل (سكروج) شبح ( جاكوب مارلي) عن سبب السلاسل الملتفة حوله، فيرد الشبح أن تلك السلاسل يرتديها لأنه عملها وقيد بها نفسه بإردته خلال حياته، وقال له كما تفعل أنت منذ سبعة أعياد ميلاد مضت، واضفت عليها الكثير منذ ذلك الحين يا ( تبنيزر سكروج). ويرفع شبح (مارلي) السلاسل بحزن وأسى قائلاً: لماذا كنت أمشي متغاضيا نظري عن تلك النجمة المباركة التي قادت حكماء المشرق إلى مزود المسيح، لتقودني بضوءها إلى بيوت الفقراء ومساعدتهم؟!.

ظهر شبح جاكوب مارلي لـ (أبنيزر سكروج) البخيل، لينقذه من مصير ما بعد الموت وأخذه في رحلة غير عادية بثلاثة أرواح عبر الزمن. ماضي، حاضر والمستقبل، لمواجه عيوبه وجهاً لوجه ويتسنى له فرصة اختيار مسار مختلف يغير حياته. تذكر الزيارة الأولى البخيل بالتجارب المؤلمة التي شكلته، بينما تُظهر الزيارة الثانية كيف تؤذي أفعاله الآخرين. المحطة الأخيرة هي نظرة خاطفة على المستقبل الكئيب الذي ينتظره، يهدف ديكنز من خلال إظهار الشخصية الرئيسية في النهاية “أبنيزر سكروج” يتغير من رجل وحيد وجشع، لا يحب عيد الميلاد ويكره الناس، إلى رجل كريم يحب عيد الميلاد، وأكثر تقبلاً للآخرين، قادرًا على احتضان الروح الاحتفالية، والاستمتاع بالحياة. ترنيمة الميلاد “A Christmas Carol” هي رواية شهيرة كتبها تشارلز ديكنز. نُشرت لأول مرة في 19 ديسمبر 1843، وتدور أحداثها خلال فترة عيد الميلاد. يتميز بسرد أخلاقي، وتوصيل الهدف من مجئ السيد المسيح المحب للبشر ليعلم المحبة والتعاطف للبرايا. فقد أعلن الأنبياء أنه سيولد، وفي الحقيقة أعلنت السموات والملائكة أنه قد ولد. المهمة الأساسية لميلاد السيد المسيح لأجل تحقيق إرادة السماء الطيبة للبشر، والرضى الإلهي بأكملها، بظهور جديد لصفات الطبيعة الإلهية التي لم تكن معروفة كما في تجسد الكلمة. لذا يستحق الله كل المجد، بفرحة وسرور حدث الميلاد وذكراه، «الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى