بيان توضيحي
حول مرجعية قرار تشكيل لجنة التحقيق المستقلة في الانتهاكات التي وقعت بتاريخ 3 يونيو، 2019 (لجنة التحقيق في فض الاعتصام)
ورد في الندوة التي أقامتها “شبكة لايف سودان للخدمات الصحفية” بعنوان “نقاش حول مقترح الدستور الذي طرحته اللجنة التسييرية لنقابة المحامين” بتاريخ 20 سبتمبر 2022 بقاعة الشارقة بجامعة الخرطوم، ورد أن لجنة التحقيق المستقلة في الانتهاكات التي وقعت بتاريخ 3 يونيو 2019 بمحيط القيادة العامة للقوات المسلحة والولايات قد تم تشكيلها بموجب قانون لجان التحقيق لسنة 1954، الذي نص في مادته الخاتمة، المادة الثانية عشرة، على أنه “لا يجوز قبول أي أقوال أُدلي بها أثناء أي تحقيق يجرى بموجـب أحكام هذا القانون، كبينة أمام أية محكمة سـواء أكانت مدنية أم جنائية.”
بحكم مسؤوليتنا السابقة خلال الفترة الانتقالية، ومشاركتنا في جميع المشاورات التي جرت بخصوص القرار الذي أصدره السيد رئيس الوزراء، الدكتور عبدالله حمدوك، وحساسية قضية الشهداء وانتهاكات حقوق الإنسان، رأينا بيان الآتي من الحقائق:
إن اللجنة المشار إليها لم تُشَكَّل بموجب قانون لجان التحقيق لسنة 1954، وإنما بموجب الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية لسنة 2019. ويظهر ذلك بجلاءٍ من ديباجة أو فاتحة إسناد القرار، التي تبيِّن عادةً مرجعيته أو أساسه، إذ تشير إلى أنه “بعد الاطلاع على الوثيقة الدستورية لسنة 2019، وعملاً بأحكام المادة (8)، الفقرة (16) منها، أصدر القرار الآتي نصه…” فالقرار صادر، بلا أي لبس، بموجب الوثيقة الدستورية، واللجنة التي شكَّلها ذلك القرار، مُشَكَّلة بموجب الوثيقة الدستورية.
يشير القرار إلى قانون لجان التحقيق لسنة 1954 في المادة 3(1) منه، والتي تنص على أنه “تكون للَّجنة جميع سلطات التحقيق الواردة في قانون لجان التحقيق لسنة 1954.” هذا هو الموضع الوحيد الذي ذُكر فيه ذلك القانون، والسلطات المشار إليها في المادة 3(1) وردت تفصيلاً في المادة 9 من قانون لجان التحقيق، التي تنص على الآتي: “تكون لكل لجنة تُعيَّن بموجب أحكام هذا القانون أي من السلطات المبينة فيما بعد حسبما يمنحها أمر التعيين أن: (أ ) تصدر أوامر تكليف لأي شخص بالحضور أمامها إذا رأت لسبب معقول أن ذلك الشخص يستطيع الإدلاء بأية بينة يمكن أن تساعد في التحقيق، كما يجوز لها أيضاً أن تستجوب مثل ذلك الشخص بعد أن يؤدي اليمين حسب ديانته أو معتقداته، (ب) تطلب أو تأمر بتقديم كل الدفاتر والأوراق، والمستندات التي ترى أنها ضرورية لأغراض التحقيق، (ج) تصدر أمراً بالقبض على أي شخص كلف بالحضور وتخلف ولم يبدِ عذراً يقنع اللجنة، (د) تمنح أي شخص حضر أي اجتماع للجنة أي مبلغ أو مبالغ ترى أن ذلك الشخص تكبدها على وجه معقول نتيجة لحضوره، (هـ) أن تأذن بتوكيل محامين.”
إن مَنْح القرار الصادر من رئيس مجلس الوزراء السلطات الواردة في المادة 9 من قانون لجان التحقيق للجنة التحقيق في فض الاعتصام، لا يعني أن أحكام المادة الثانية عشرة منه تنطبق (تلقائياً) عليها، إذ هنالك فرق بين تأسيسِ قرارِ على قانون معيَّن والاستعانة بمادة واحدة، ومادة واحدة فقط، من ذلك القانون بغُية منح السلطات الواردة فيها للجنة مؤسسة أو مكوَّنة بموجب ذلك القرار. في حالة القرار موضوع النقاش، كان القرار صادراً بموجب الوثيقة الدستورية، كما أشرنا أعلاه، بينما السلطات مستمدة من المادة 9 من قانون لجان التحقيق لسنة 1954. فالإشارة إلى السلطات هنا هي مثل ذكرها دون الإشارة إلى القانون. فمجرد ذكر القانون، في هذا السياق، لا يغيِّر من أساس القرار أو من مرجعية اللجنة، وهي الوثيقة الدستورية، شيئاً.
إن الجدل الذي أُثير في ندوة قاعة الشارقة بجامعة الخرطوم أُثير، كما ذُكر في الندوة نفسها، في الأيام الأولى لصدور القرار في سبتمبر من العام 2019. وتجنباً لذلك الجدل غير المنتِج وغير المبرَر لمن يفسر النصوص بموضوعية ويلتزم بقواعد التفسير أو التحليل القانوني، قررت الحكومة التنفيذية إصدار قرارٍ ثانٍ، في ديسمبر، مُعدِّلٍ للقرار الصادر في سبتمبر، فصَّل السلطات الممنوحة للَّجنة، بدلاً من الإشارة إلى السلطات الواردة في القانون، الذي أثار الجدل بسبب مادته الخاتمة. علاوة على ذلك، نص القرارُ الصادر في ديسمبر، بعد الحصول على تفويض مكتوب من النائب العام المعيَّن وقتئذٍ حديثاً، على تمتع “…اللجنة بممارسة اختصاص النيابة العامة في التحقيق والتحري وإجراءات وتدابير الضبط وتوجيه التهمة والإحالة للمحاكمة وفق تفويض النائب العام المرفق.”
لم يحتوِ القرار الأول، الصادر في سبتمبر، على نصٍ يخوِّل لجنة التحقيق في انتهاكات فض الاعتصام ممارسة اختصاصات النيابة العامة، التي تم النص عليها في القرار المُعدِّل الصادر في ديسمبر، لأن القيام بذلك كان يقتضي، بحسب أحكام المادة 30 من قانون النيابة العامة لسنة 2017، الحصول على تفويض من النائب العام، الذي كان في ذلك الوقت شخصاً معيَّناً من النظام القديم، لم تَسْعَ الحكومة التنفيذية ولم تكن تتوقع منه التعاون بخصوص التفويض أو لجنة التحقيق بشأن انتهاكات فض الاعتصام.
وخلاصة القول هي أن القرارين المتعلقين بلجنة التحقيق في فض الاعتصام صدرا بموجب الوثيقة الدستورية لسنة 2019، وليس بموجب قانون لجان التحقيق لسنة 1954. في حالة القرار الأول، لم يكن هنالك ما يمنع قبول الأقوال التي يُدلى بها أو البينات التي تُجمع بواسطة لجنة التحقيق كبينة أمام المحاكم. وفي حالة القرار الثاني، يجوز للَّجنة المنشأة ممارسة اختصاص النيابة العامة في التحقيق والتحري وإجراءات وتدابير الضبط وتوجيه التهمة والإحالة للمحاكمة، وفق التفويض الذي أصدره النائب العام. إن القواعد العامة للتفسير والتحليل القانوني تقتضي أن يكون التفسير والتحليل بالنحو الذي يحقق الغرض الأساسي الذي شُرَّع من أجله النص القانوني، ولذلك يجب، في جميع الأحوال، أن يكون التفسير أو التحليل متسقاً مع ما يحقق ذلك الغرض دون سواه.
وهذا ما لزم بيانه.
نصرالدين عبدالباري
وزير العدل السابق