قضايا فكرية

بنية الثورات السياسية

عبدالسلام بنعبد العالي ….

كثيرون هم الذين كتبوا عن الثورات العربية ليقروا بأنهم فوجئوا بها. يصدق هذا حتى على المحللين الغربيين الذين أكد أغلبهم أنهم انبهروا بما حدث، وأنهم لم يكونوا يتوقعونه، وأنهم عاجزون عن تفسيره.

يرد البعض على ذلك بأن الثورة لا تكون كذلك إلا اذا كانت تفلت من كل توقع، فهي تحديداً، حدث استثنائي. لا يعني هذا بطبيعة الحال أنها بعيدة عن كل معقولية، وانما فحسب أنها لا تجد مبرراتها داخل فلسفة غائية للتاريخ. غير أن ذلك لا يمنعنا من أن نبحث لها عن معنى وعن «سبيل للفهم» من خلال منطقها الداخلي وبتحليل بنيتها من غير أن نستعين بتسلسل عام أو نلجأ الى منطق كلياني.

في هذا الإطار، يعقد صاحب كتاب «بنية الثورات العلمية» مقارنة بين الثورات السياسية ونظيراتها العلمية، وهو يرسم نوعاً من التوازي بين الثورتين. فالثورات السياسية تبدأ مع تصاعد الاحساس بعجز البراديغم المتداول عن استيعاب الأمور، ومع الوعي بأن المؤسسات القديمة «لم تعد تفي على نحو ملائم بحل المشكلات التي تطرحها بيئة كانت تلك المؤسسات طرفاً في خلقها».

على النحو نفسه تبدأ الثورات العلمية بتزايد الاحساس بأن أحد البراديغمات والنماذج الارشادية القائمة قد كف عن أداء دوره بصورة كافية في مجال اكتشاف جانب من الطبيعة سبق لهذا البراديغم أن وجه البحوث الخاصة به.

ذلك أن العلم وفق توماس كون يخلد الى وضع مستقر في فترات بعينها وذلك بخضوعه لبراديغم يحدد مجاله وأساليب البحث فيه. في اطار هذا «الوضع المستقر للعلم» تفرض صياغة المشكلات والحل المقترح لها نفسهما على العلماء. تأتي الثورة التي تقضي على المعايير المتبعة لتؤدي الى اعادة صياغة جذرية للمشكلات وتجديد كلي للمناهج بحيث يغدو من المتعذر ترجمة المفهومات من سياق الى آخر، وهكذا فإن الكتلة من منظور النيوتونية والكتلة من منظور النسبية على سبيل المثال توافقان وجهتي نظر للظواهر الحركية تكونان من الاختلاف بحيث يستحيل التعبير عن احداهما بدلالة الأخرى.

كأن العلم يدخل بذلك في «أزمة» يكون فيها البراديغم المتجاوز عاجزاً عن استيعاب المستجد. على هذا النحو نفسه يرى كُون ان الثورات السياسية تهدف الى تغيير المؤسسات السياسية بأساليب تحظرها هذه المؤسسات لمصلحة أخرى، وفي هذه الأثناء لا يكون المجتمع محكوماً تماماً وبالكامل بأي مجموعة من المؤسسات على الاطلاق. ونظراً لأن الفاعلين الاجتماعيين يكونون مختلفين في شأن القواعد أو الأنموذج الأصلي للمؤسسات والذي ينبغي أن يتم في اطاره التحول السياسي وتقويم هذا التحول، ونظراً لأنهم لا يقرون بوجود اطار أسمى وأرفع قيمة من المؤسسات يمكن الاحتكام اليه في شأن الاختلافات، يصبح لزاماً على أطراف النزاع أن يلجأوا الى أساليب وتقنيات تحريض وإقناع، وهذه غالباً ما تلجأ الى استخدام القوة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى