تقارير

بعد التصعيد الروسي والضغوط الأمريكية .. هل ستنتهي أسطورة (فاغنر)؟

تقرير – القسم السياسي
في تصعيد ملفت للنظر، وجّه يفغيني بريغوجين، رئيس مجموعة (فاغنر)، والمقرب من الرئيس الروسي، اتهامات قاسية لوزير الدفاع ورئيس أركان الجيش الروسي، بسبب ما يحدث مع مقاتلي مجموعته المشاركين في الغزو على أوكرانيا.
اتهم رئيس مجموعة (فاغنر) الروسية المسلحة، الثلاثاء (21 فبراير 2023)، هيئة الأركان العامة في بلاده بـ (الخيانة) برفضها – على حد قوله (تسليم معدات لعناصره الذين هم في الخطوط الأمامية في شرق أوكرانيا). تدل هذه التصريحات التي أدلى بها رجل الأعمال يفغيني بريغوجين، على تصاعد حدة التوتر بين مجموعة (فاغنر) والجيش الروسي، ويبدو أنهما يتنافسان على الأرض في أوكرانيا.
القيمة الفعلية
بينما ينصب التركيز على أوكرانيا، فإن القيمة الفعلية لمجموعة (فاغنر) تكمن في أفريقيا، إذ تعمل الجماعات شبه العسكرية الروسية والمرتزقة على زيادة وجودها في القارة السمراء، بدايةً من مالي وانتهاءً بجمهورية أفريقيا الوسطى.
وفي حين أنّ الجيش الروسي غارق حتى أذنيه في حرب استنزاف مع أوكرانيا، فإن مجموعة (فاغنر) وسيط يرعى مصالح موسكو الجيوسياسية في البلدان الأفريقية الغنية بالموارد الطبيعية، وفق تحليل د.أليساندرو أردوينو، باحث أول في معهد لاو الصين، كلية كينجز لندن، بموقع مجلة (ناشيونال إنترست) الأمريكية.
يقول أردوينو: “ثمة أسباب عدة للأثر المتزايد لمجموعة فاغنر في القارة، بدءاً من تاريخ روسيا المديد من التدخل في أفريقيا ودعم العلاقات القوية مع العديد من الدول الأفريقية. فمنذ صعود بوتين إلى سدة الحكم، زادت روسيا من وجودها الاقتصادي والعسكري في أفريقيا”.
في الأثناء، قالت (لوموند) الفرنسية إن واشنطن عرضت على بانغي تدريب جيشها وزيادة مساعداتها الإنسانية لها مقابل طرد القوات شبه العسكرية الروسية من جمهورية أفريقيا الوسطى، فيما بدا صفقة كلاسيكية مع انطلاق الاستراتيجية الأمريكية لإخلاء أفريقيا من مرتزقة (فاغنر) الروسية.
وأوضحت الصحيفة الفرنسية، في تقرير بقلم سيريل بنسيمون، أن رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى، فوستين أرشانج تواديرا، تلقى مذكرة من الإدارة الأمريكية منتصف ديسمبر 2022، توضح له الفوائد التي قد يجنيها من الانفصال عن الجماعات شبه العسكرية التابعة لـ (فاغنر)، والعواقب التي يمكن أن تطاله ببقائه على تحالف معها.
إنذار مبطن
إذا لم يكن هذا العرض إنذاراً، فإن الولايات المتحدة تمنح، وفقاً لمصادر الصحيفة، (12) شهراً لرئيس أفريقيا الوسطى للنأي بنفسه عن المرتزقة الروس (فاغنر) التي تعمل في بلده، وفقاً لاتفاقية رسمية منذ بداية 2018، تتضمن أمن الرئيس ودعم الجيش. وقد وسعت أنشطتها إلى التعدين وتأمين القوافل ومراقبة الجمارك، وحتى إنتاج الفودكا (نوع من الخمر مشهور في روسيا) و(البيرة المحلية)، فيما يبدو سيطرة متزايدة مصحوبة بانتهاكات متعددة أبلغت عنها منظمات حقوق الإنسان، كما يقول التقرير.
ومع أن واشنطن تعتبر مجموعة (فاغنر) منظمة إجرامية عابرة للحدود واسعة النطاق، فإنها لا تغلق الباب دون الدول التي تعمل فيها هذه المنظمة، خلافاً لباريس التي بررت سحب جنودها ووقف برامج مساعداتها لأفريقيا الوسطى ومالي بوجود قوات (فاغنر) في البلدين. وهي بالتالي تعرض على بانغي دعم تدريب قواتها المسلحة لتحل محل (المدربين الروس)، وزيادة المساعدة الإنسانية وتعزيز دعمها لبعثة الأمم المتحدة على الأرض، إضافة إلى استعدادها للعمل على إخراج الرئيس السابق فرانسوا بوزيزي من تشاد.
وإذا لم تستجب بانغي، فإن واشنطن تدرس إجراء تخفيضات في تمويلها وخفض عدد الموظفين داخل سفارتها أو إغلاقها إذا لزم الأمر، كما يمكن أن تصل إلى العقوبات الفردية التي تستهدف الشخصيات القوية التي تُعتبر الأكثر ارتباطًا بالجماعات شبه العسكرية الروسية والشركات التي تسيطر عليها.
ميدان للتنافس
ومع أن وزيرة خارجية أفريقيا الوسطى، سيلفي بابو تيمون، أقرت للصحيفة بأنها على اتصال دائم بالدبلوماسية الأمريكية منذ أكتوبر 2022، فإنها تنفي علمها بوثيقة مكتوبة تملي فيها واشنطن شروط تعاونها، مشيرة إلى أن (جمهورية أفريقيا الوسطى تريد تنويع شراكاتها)، وهي تتوقع أن يشارك المجتمع الدولي كله (في الاستجابة للاحتياجات الحقيقية لا للقضايا الجيوسياسية).
تقول الصحيفة: “هكذا أصبحت أفريقيا الوسطى التي كثيراً ما أهملتها الدبلوماسية والمانحون، ميداناً للتنافس بين الغرب وموسكو، ولكن رئيس هذا البلد، إذا كانت لديه الإرادة، فليست لديه القدرة على فك الارتباط مع حماته الحاليين الذين يسهرون على أمنه الشخصي”.
وأشارت إلى أن النهج الذي تحاوله الولايات المتحدة مع رئاسة جمهورية أفريقيا الوسطى هو جزء من استراتيجية أمريكية أوسع للاحتواء، لكنها لم تسفر بعد عن نتائج ملموسة في القارة الأفريقية. خاصة أن (فاغنر) في السودان ومالي تعمل بناءً على طلب مباشر من الحكومات، وتساهم في تطبيع الوضع في العراق.
طالب خبراء مفوضون من الأمم المتحدة بإجراء تحقيق مستقل وفوري في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، يشتبه في أن القوات الحكومية ومجموعة (فاغنر) الروسية ارتكبتها في مالي.
ويضيف أليساندرو أردوينو، أن مجموعة (فاغنر) أداة فعالة لتعزيز الأهداف الروسية في أفريقيا، دون أن تجذب نفس مستوى التدقيق الذي تجذبه الوحدات العسكرية الروسية النظامية. وإلى جانب إمكانية إنكار روسيا المعقول لعلاقتها بالمجموعة، فإن فاغنر مصدر دخل للقلة الحاكمة المرتبطة ببوتين.
مصدر العملة الصعبة
على سبيل المثال، في أفريقيا، تُعدُّ خدمات تدريب (فاغنر) وإمدادها بالمعدات العسكرية الروسية مصدراً للعملة الصعبة والمعادن الثمينة التي تساعد الكرملين على تخفيف عبء العقوبات الدولية.
وتشير مجموعة (فاغنر) في كثير من الأحيان إلى التزام الكرملين باستخدام الجماعات شبه العسكرية والمرتزقة بوصفه الطرف الحاد لعصا سياستها الخارجية من الشرق الأوسط إلى أفريقيا. فاستراتيجية الكرملين واضحة ومباشرة، وهي أن المرتزقة يتيحون إمكانية إنكار معقولة، ويحققون أهدافاً استراتيجية محددة بموارد محدودة.
لقد تغيرت عقيدة الحرب الروسية بالوكالة منذ الحقبة السوفيتية. واليوم، لا يمكن لروسيا الاعتماد على الدول التابعة للاتحاد السوفيتي السابق لتوفير قوات بالوكالة ضرورية لشن حرب استكشافية، كالكوبيين في أنغولا.
يرتبط استخدام المرتزقة بالكفاءة، وحقيقة إن خيارات موسكو محدودة. يصف تور بوكفال، المتخصص في الاستراتيجية العسكرية الروسية، مجموعة (فاغنر) بأنها إسقاط لقوة موسكو بثمنٍ بخس.
وأظهرَ الصراع السوري كيف يمكن للوحدات القتالية الرشيقة والمدربة تدريباً عاليّاً التي يحفزها المال، أن تغير قواعدَ اللعبة. فقد مكَّنت الوحدات الصغيرة التي تقاتل ضد الميليشيات المسلحة غير المدربة وقوات حرب العصابات موسكو، من ترسيخ نفوذها بتكلفةٍ زهيدة، ساعدتها على ضمان الإنكار العام في حالة الفشل، أو وقوع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
وبعد أن أثبتت (فاغنر) قيمتها العظيمة في دعم الحكومة السورية وفي ليبيا، وسَّعَت المجموعة نطاق امتيازها إلى أفريقيا.
ومع ذلك، لا يُستعان في القارة السمراء بمجموعة (فاغنر) فقط لتعزيز الأهداف الجيوسياسية للكرملين، ولكن لتعبئة جيوب النخبة الروسية بخلق وجود في البلدان الغنية بالموارد، حيث تتحالف مع الميليشيات مقابل مدفوعات نقدية أو امتيازات تعدين.

مليشيا الدعم السريع- قوات غير نظامية

الالتفاف على العقوبات
في هذا الصدد، يشير الكاتب إلى أن الشركات العسكرية الخاصة الروسية تساعد البلاد الأفريقية على الالتفاف حول العقوبات المعوقة، وتعمل الجماعات شبه العسكرية في موسكو على زيادة وجودها في أفريقيا.
وفي السودان، قدَّمَت مجموعة (فاغنر) الدعم الأمني واللوجستي لإنقاذ الرئيس السابق عمر البشير، مقابل امتيازات تعدين الألماس، ودعمت المجموعة حكومة جمهورية أفريقيا الوسطى ضد الجماعات المتمردة.
أثناء وجودها في موزمبيق، لم تتمكن مجموعة (فاغنر) من تقديم دعمٍ حاسم للقوات الحكومية التي تقاتل التمرد في الجزء الشمالي من البلاد.
واليوم، تعتمد روسيا على جماعات مسلحة متميزة لتنفيذ أوامرها، ألا وهي: الجيش النظامي، المرتزقة، عملاء القوات الخاصة المتخفون، والقوات شبه العسكرية. ووفقاً لاحتياجات موسكو، يمكن لعميل روسي واحد أن يؤدي كلاً من هذه الأدوار.
لقد طالبت الحكومة الروسية وجود مجموعة (فاغنر) في عدة دول أفريقية، في حين تنفي موسكو أي تورط حكومي.
وفور وصول المرتزقة، تُكثَّف حملة التضليل الروسية على وسائل التواصل الاجتماعي، بل وحتى بالأفلام السينمائية التي تدعم موسكو باللغات الروسية والمحلية.
الرسالة الدعائية واضحة، الشركات شبه العسكرية الخاصة الروسية، هي آخر المعاقل الصامدة ضد الإرهابيين الإسلاميين المدعومين من المرتزقة الغربيين.
ومن الأمثلة على ذلك، فيلمان وُزِّعَا مؤخراً في روسيا وأفريقيا، وهما “Granite” و”Tourist”، صُوِّرَت مشاهدهما في جمهورية أفريقيا الوسطى، وتولت تكلفتهما شركة روسية يملكها مؤسس مجموعة (فاغنر).
تمثل حالة مالي، حيث طلبت الحكومة رسمياً من مجموعة (فاغنر) دعم كفاحها ضد الجماعات الإرهابية، هذا الاتجاه.
وأكّد وزير الخارجية، سيرغي لافروف، التقارير التي تفيد بأن مالي تعاقدت مع المجموعة لمحاربة التطرف في منطقة الساحل، مشيراً إلى أنها اتفاقية تجارية بين دولة وشركة خاصة، دون أدنى مشاركة من موسكو.
ضغوط أمريكية
صعّدت الولايات المتحدة ضغوطها على الحلفاء في المنطقة، لطرد مجموعة (فاغنر)، وهي شركة عسكرية خاصة تربطها علاقات وثيقة بالكرملين، من ليبيا والسودان اللذين تعمهما الفوضى، ويشهدان نشاطاً مكثفاً للمجموعة، حسب ما قال مسؤولون إقليميون لـ (أسوشييتد برس).
تأتي هذه الجهود الأمريكية في الوقت الذي تقوم فيه إدارة الرئيس جو بايدن بضربات واسعة النطاق ضد مجموعة المرتزقة، حيث فرضت واشنطن عقوبات جديدة على مجموعة (فاغنر) في الأشهر الأخيرة، بسبب دورها في حرب أوكرانيا.
وتعمل إدارة بايدن منذ أشهر مع مصر والإمارات للضغط على القادة العسكريين في السودان وليبيا لإنهاء علاقاتهم مع الجماعة، وفقاً لما ذكره مسؤولون ليبيون وسودانيون ومصريون، طلبوا عدم الكشف عن هويتهم لأنهم غير مخولين بمناقشة القضية مع وسائل الإعلام.
وقال مسؤول حكومي مصري مطلع على المحادثات: “المسؤولون الأمريكيون تنتابهم هواجس من فاغنر، إنها على رأس كل اجتماع”.
لا تعلن المجموعة عن عملياتها، لكن وجودها معروف من التقارير على الأرض وغيرها من الأدلة. ففي السودان، كانت مرتبطة في الأصل بالرئيس المعزول عمر البشير، وتعمل الآن مع القادة العسكريين الذين حلّوا مكانه. وفي ليبيا، ترتبط بالقائد العسكري في شرقي ليبيا اللواء المتقاعد، خليفة حفتر.
تنشر (فاغنر) آلاف العملاء في دول أفريقية وشرق أوسطية، بما في ذلك: مالي، ليبيا، السودان، جمهورية أفريقيا الوسطى، وسورية. ويقول محللون إن هدفها في أفريقيا هو دعم المصالح الروسية، وسط الاهتمام العالمي المتزايد بالقارة الغنية بالموارد.
وفي 31 يناير، اتهم خبراء حقوقيون يعملون مع الولايات المتحدة، المجموعة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية محتملة في مالي، حيث تقاتل إلى جانب القوات الحكومية.
وقالت الخبيرة في شؤون (فاغنر) بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ومقره واشنطن، كاترينا دوكس: “تميل فاغنر إلى استهداف البلدان ذات الموارد الطبيعية التي يمكن استخدامها لتحقيق أهداف موسكو، ففي السودان على سبيل المثال، هناك مناجم الذهب، ويمكن بيع الذهب بطرق تتجنب العقوبات الغربية”.
كان دور المجموعة في ليبيا والسودان محورياً في المحادثات الأخيرة بين مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وليام بيرنز، ومسؤولين في مصر وليبيا في يناير.
أمّا في ما يتعلق بالسودان، فذكر مسؤول سوداني بارز، أن القادة في السودان تلقوا رسائل أمريكية متكررة عبر مصر ودول الخليج، حول نفوذ (فاغنر) المتزايد في الأشهر الأخيرة.
وقال المسؤول إن مدير المخابرات المصرية، عباس كامل، نقل مخاوف الغرب في محادثاته في الخرطوم الشهر الماضي، مع رئيس مجلس السيادة الحاكم في السودان، عبدالفتاح البرهان. وقال المسؤول إن كامل حثّ البرهان على إيجاد طريقة لمعالجة استخدام فاغنر للسودان كقاعدة للعمليات في دول مجاورة مثل جمهورية أفريقيا الوسطى.
بدأت (فاغنر) العمل في السودان في عام 2017، حيث قدمت التدريب العسكري للمخابرات والقوات الخاصة، وللمجموعة شبه العسكرية المعروفة باسم (قوات الدعم السريع)، وفقاً لمسؤولين سودانيين ووثائق اطلعت عليها (أسوشييتد برس).
ويقول مسؤولون إن مرتزقة (فاغنر) لا يقومون بدور قتالي في السودان، بل تقدم المجموعة، التي لديها عشرات العملاء في البلاد تدريبات عسكرية واستخبارية، فضلاً عن مراقبة وحماية المواقع وكبار المسؤولين.
في المقابل، يبدو أن القادة العسكريين السودانيين أطلقوا يد (فاغنر) على مناجم الذهب، إذ تظهر الوثائق أن المجموعة حصلت على حقوق التعدين من خلال شركات واجهة، لها علاقات مع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. وذكر مسؤولون أن أنشطتها تتركز في المناطق الغنية بالذهب التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع في: دارفور، النيل الأزرق، وولايات أخرى.
وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على شركتين لعملهما كواجهة لأنشطة تعدين لصالح (فاغنر)، هما شركة تعدين الذهب السودانية (ميروي غولد) ومالكتها شركة (إم إنفست) ومقرها روسيا. وعلى الرغم من العقوبات، لا تزال (ميروي غولد) تعمل في جميع أنحاء السودان.
وساعد المرتزقة الروس، القوات شبه العسكرية، على تعزيز نفوذها ليس فقط في المناطق النائية بالبلاد، ولكن أيضاً في العاصمة الخرطوم، حيث تساعد في إدارة صفحات التواصل الاجتماعي المؤيدة لـ (قوات الدعم السريع).
ويقع المعسكر الرئيسي لمرتزقة (فاغنر) في قرية (أم دافوق) على الحدود بين جمهورية أفريقيا الوسطى والسودان، وفقاً لهيئة محامي دارفور. وقال جبريل حسبو، المحامي وعضو النقابة: “لا أحد يستطيع الاقتراب من مناطقهم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى