الرأي

بروف مهدي التوم: هذا زرعكم أينع وحان قطافه

صديق الزيلعي

علق البروف مهدي امين التوم في صفحته على الرسالة التي تلقاها من البروف أحمد حسن الجاك عن تجربتهم في انشاء نقابة لأساتذة جامعة الخرطوم في ظل نظام الاسلامويين، قائلا بان دموعه كادت تنهمر لتلك الذكري النضالية. وأود هنا ان اشير باختصار لهذه التجربة التاريخية، التي خاضها أساتذة جامعة الخرطوم، بشرف أصيل وبطولة فائقة. وأود أن أركز على ضرورة تسجيل نضالات أجيال قدمت كثيرا من التضحيات من اجل انتصار الديمقراطية في بلادنا، فهي ضرورة للأجيال القادمة لتبي عليها لتأسيس ديمقراطيتنا القادمة وتأسيس الدولة المدنية التي ناضلت الأجيال السابقة لتحقيقها.

أبدأ بالرسالة التي تلقاها البروف مهدي أمين : “عادت بي الذاكرة لتلك الأيام التاريخية الخالدة في مكتبك بقسم الجغرافيا ونحن شلة آمنت بحقنا في أن تكون لنا نقابة غير نقابة المنشأة ” … شلة تحدت كل كيانات حكومة الإنقاذ ونجحت في مسعاها، وأنشأت كياناً منتخباً أسس لقيام نقابة تقوم عضويتها علي الأساتذة فقط … شلة من تسعة افراد تمكنت من كسب اكثر من 64 في المائة من كامل عدد أساتذة الجامعة من أجل قيام نقابة الأساتذة بالرغم من المضايقات التي اعترضت طريقهم من جانب إدارة الجامعة، ومن أجهزة الدولة النقابية والأمنية.

بروفيسور مهدي أمين التوم

كتب البروف مهدي أمين التوم في صفحته في الفيسبوك ردا يمتلئ بالعاطفة على الرسالة:

يا سلام عليك أخي احمد ود حسن الجاك. كادت دموعي تنهمر من كلماتك هذه التي أعادت أمامي شريطاً من تلك المواقف التي وصفتها يا صديقي. يا حليل موبايلك الذي كنا نسميه موبايل النقابة، ويا حليل جرأة لقاءاتنا علناً في وضح النهار، ويا حليل مناكفتنا وأطروحاتنا وتصدينا لوكلاء النظام في مجلس الأساتذة ومجلس الجامعة واللجنة المالية والتنفيذية، وفي كل ركن من اركان الجامعة بمجمعاتها المختلفة، دفاعاً عن حقوق الأساتذة النقابية، في وقت كان الحديث فيه عن نقابة مستقلة يعتبر استعداء لنظام الإنقاذ يستوجب العقاب وربما السجن. لكن لم يكن بيننا مَن كان يشغل نفسه بذلك أو يهتم بسلامته الشخصية…

رحم الله تلك الأيام يا بروف احمد، وحفظ الله النقيب بابكر احمد الحسن وشفاه وعافاه، وحفظ الله الزملاء الكرام جلال وضاوي وبابكر عبد الله ومحمد علي عوض الكريم وعطا وحسن شيخ إدريس والمرحوم محمد يعقوب شداد وكل الذين تصدوا لذلك العمل الكبير بجرأة وتفانٍ.

كيلا يضيع هذا التاريخ المجيد، اضيف أسطر بسيطة عن تلك التجربة المتفردة. كانت ضربة البداية هي تأسيس تجمع أساتذة جامعة الخرطوم، وكانت أهدافه الأساسية هي: العمل بكل السبل من اجل إعادة جامعة الخرطوم الى وضعها التاريخي علميا ووطنيا، وعدم المساومة إطلاقا في مبادئ الحريات الاكاديمية والاستقلالية المالية والإدارية، ورفض التدخل السافر في شئون الجامعة. وقاد التجمع حملة واسعة من الحوارات والمناقشات الصبورة مع الأساتذة في كل كليات الجامعة ومعاهدها ومراكزها المتخصصة. ثم قدم مذكرات لإدارة الجامعة حول الأوضاع بها وحول مطالب الأساتذة.

أصدر التجمع، عند انتهاء تكليف المدير المعين من السلطة، بيانا طالب بحق الاسرة الجامعية في انتخاب مدير للجامعة. لكن السلطة تجاهلت الامر وعينت غندور ليمارس ما مارسه في اتحاد العمال. بعد استمرار غندور في تنفيذ سياسة السلطة بحماس، قرر التجمع السعي الجاد لتكوين نقابة. وكانت النقاشات المتواصلة مع الأساتذة قد أوضحت التأييد البير من اغلبية الأساتذة لتأسيس نقابة مستقلة، وكانت البداية اعلان اللجنة التمهيدية المنتخبة، لتقود الخطوات الديمقراطية لتأسيس النقابة.

أثار ذلك هلع السلطة التي وجهت كل ادواتها لإيقاف تلك الخطوة، فتحرك مدير الجامعة وما سمي بنقابة عمال الجامعة، ومسجل النقابات. مضت اللجنة التمهيدية بثقة وجدية في استفتاء الأساتذة، الذين وافقت اغلبيتهم العظمي على قيام النقابة رغم إرهاب السلطة وجواسيسها داخل الجامعة. توج كل ذلك بإجراء الانتخابات في يناير 2006 حيث بلغت نسبة التصويت 66%.

لا يسع المجال هنا لتفصيل كل ما قامت به النقابة المنتخبة، ولكن هذه ملامح عامة لها:

دعمت اتحاد الطلاب في وجه حملة السلطة.

قدمت مطالب الأساتذة.

أعدت قانون ديمقراطي كبديل لنقابة الجامعة الذي يتبعها للسلطة.

ساعدت على قيام لجان تمهيدية لأساتذة الجامعة الاهلية وجامعة السودان.

قادت اضرابا للأساتذة في 2006 لعدم تنفيذ مطالبهم.

اجتمعت مع وزير التعليم العالي واعدت له تصور شامل لإصلاح التعليم العالي.

شاركت في الكثير من الاعمال الوطنية والسياسية خارج الجامعة مع القوى الوطنية المختلفة.

أثارت تلك التحركات هلع السلطة، لان ذلك التحرك شكل ثغرة في جدار الشمولية النقابية. فقرر مدير الجامعة، وكذلك مسجل النقابات، وكل أجهزة السلطة واعلامها عدم شرعية نقابة أساتذة جامعة الخرطوم.

ردت النقابة بقوة وعقلانية بأن رفعت طعنا للمحكمة الدستورية ضد إدارة جامعة الخرطوم وضد حكومة السودان. ولكن كما هو متوقع شطبت المحكمة الدستورية الطعن ودافعت عن قانون النقابات الشمولي.

واصل الأساتذة نضالهم بمختلف الوسائل وشاركوا في تأسيس تجمع المهنيين السودانيين. وللحقيقة والتاريخ أسس الأساتذة اول نقابة منتخبة بديمقراطية بعد الثورة، وكانوا اول من أدخل التصويت الالكتروني في العمل النقابي في السودان، وقد سبق ذلك ملحمة الصحفيين العظيمة، ولكنه لم يجد نفس الصدى الإعلامي مثلها.

الآن استاذي العزيز مهدي قد أينع زرعكم وها هو حصاده قد بدأ، وتمثل في الدعوات الجادة والقوية لتأسيس نقابات ديمقراطية، كما نشطت قوى العاملين للتصدي لانتزاع حقوقها بسلاح الاضراب.

[email protected]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى