الرأي

انهيار منجم: والبحث عن ذهب مغموس بالدم 

صباح محمد آدم

نقلت الاخبار الاسبوع الماضى، أن عشرات الاشخاص قتلوا جراء انهيار منجم ذهب قرب مدينة وادى حلفا، أقصى شمال السودان وعلى الحدود مع مصر، بمنجم جبل البحر الأحمر عند منطقة التركمان والتى تبعد 70 كلم متر عن مدينة حلفا، سبق ذلك عدد من الانهيارات لعدد من المناجم فى مناطق متفرقة من انحاء البلاد، كما يحذر الخبراء المختصين فى مجال البئية عن تدهور مريع فى صحة البئية بسبب التلوث الذى يحدثه الزئبق والسيانيد وآثاره الضارة  على المياه والأراضي الزراعية، حيث تحولت الكثير منها لمخازن تتكدس فيها أكوام الكرتا التى طالت حتى منازل المواطنين الذين بات بعضهم يعمل على تأجير مزارعهم وبيوتهم للمعدنين بعد ان اصبح الفقر وقلة الحيلة تخيم على حياتهم، حيث أصبحت زراعة الخضر والفاكهة   مع تعدد النوافذ الضريبية وعدم وجود أي دعم من الدولة.

وأصبح فى ظل ذلك التنقيب عن الذهب مهنة للكثير من المواطنين مع انتشار واسع للتعدين الأهلي الذي لا يلتزم بأي معايير تهم الصحة أو البئية، كل ذلك يتم تحت سمع وبصر السلطات فى العهد البائد وحتى الآن، وقد ظل الأهالي يحتجون على وجود شركات التعدين التي يتمتع بعضها بصلاحيات كبيرة بما فيها أجهزة أمنية وشرطية لحمايته، وذلك يعود إلى ان بعض النافذين منهم اصبحوا شركاء لمستثمرين وبعضهم مستفيد بشكل شخصي من تلك الممارسات التي لا يمكن ان تحدث فى أي بلد إلا السودان بسبب الفساد الذى استشرى فى أجهزة الدولة لأكثر من ثلاثين عاما، حكمته فيها جماعة الانقاذ  الذين لم  يأخذوا فى الاعتبار يوما صحة المواطن السوداني ولا البئية والضرر الاقتصادي الذى يسببه منح الرخص لشركات  استثمارية اجنبية أصبح لبعضها نفوذ واسع كالشركات الروسية والتركية والصينية شركات  عرفت بفسادها ونهبها لموارد البلاد واضطهادها للسكان المحليين الذين يتم استغلالهم كعمالة رخيصة.

وفى ظل هذه الفوضى وغياب القوانين ولا يهتمون بمعايير السلامة والامان، بل تعمل السلطات فى المقابل على قمع المحتجين من المواطنين الذين كانوا يرون فى أن بعض هذه الشركات ظلت تستخدام السيانيد والزئبق المضر للانسان والحيوان، فظهرت حالات مرض نادرة وسط النساء والاطفال    الذين تحول بعضهم الى عمال يعالجون الكرتا لاستخراج خام الذهب بعد أن اضطروا لترك المدرسة نتيجة للظروف الاقتصادية الصعبة التى تعيشها  الأسر، هؤلاء الاطفال يعملون دون ان تتوفر لهم حماية من الدولة او تلك الشركات التى تستغلهم أبشع أنواع الاستغلال، بعضهم أصابه المرض والبعض الآخر ينتظره واقع مظلم..

وبما أن الموت فى السودان صار  ثقافة تطبع الناس معها، فلا فرق بأن يموت العشرات فى صراع لأبسط الاسباب أو فى تظاهرات سلمية فالناس باتوا يضحون  مجرد ارقام ويمضى حدث كانهيار منجم على رؤوس شباب دفعت بهم المسغبة للعمل فى قطاع جشع غير محمي ولا يقف الناس عنده ولا تبدي السلطة  الانقلابية اى اهتمام بالأمر وكأنه لا يعنيها فى شئ لأن ثمة مصالح كثيرة مرتبطة بعملية التنقيب، ومن هنا يمكننا ان نعى لماذا يستميت الكيزان وفلولهم الفاسدين لتخريب أي محاولة لقيام دولة مدنية ديمقراطية انه المال والذهب وان كان مغموسا بالدم.

لذا فإن على المواطنين فى المناطق المتأثرة بالتنقيب عليهم تنظيم انفسهم ليس بقفل الطرقات او الاستيلاء على الآليات أو طرد العاملين لأن ذلك يخلق وضعاً مؤقتاً ولا يعالج جذور الأزمة ولا يخلق رأي عام مساند لها وانما عليهم تكوين لجانهم المحلية المنتخبة وسيجدون حتما حلفاء لهم من الوطنيين من المهتمين بالبيئة وصحة الانسان فى السودان وخارج السودان تساندهم للوقوف بقوة امام تلك الفوضى  مطالبين بحقهم فى توفير الحماية ومعايير السلامة التى تحافظ على البيئة وحياة الانسان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى