الرأي

انتخابات الصحفيين .. كوة ضوء في عتمة الانقلاب!!

عد غياب دام لأكثر من ثلاثة عقود مضت أعقبت حلها من قبل نظام المخلوع البشير، تنهض (نقابة الصحفيين السودانيين) من ركام الديكتاتورية، وتعلن عن نفسها في وضوح، على الرغم من الانقلاب الجاثم على صدر البلاد منذ الخامس والعشرين من أكتوبر من العام الماضي. فكانت انتخابات الصحفيين هذا الأسبوع تمريناً ديمقراطياً شهد بنزاهته وشفافيته الشرفاء، وكانت لحظة إعلان نتيجة الفائز بمنصب النقيب بمثابة ميلاد جديد للنقابة، لتسهم مع رصيفاتها من قوى الثورة في استعادة الوضع الانتقالي وهزيمة الانقلاب، وصولاً إلى انتخابات حرة ونزيهة تنهي عهد الانقلابات في السودان.

وكان رئيس لجنة الانتخابات (فيصل محمد صالح)، قد أعلن في تصريح صحفي عقب انتهاء عملية الفرز عن فوز مرشح قائمة الوحدة الصحفية (عبد المنعم أبو إدريس)، بحصوله على (205) أصوات من أصل (532) بطاقة اقتراع صحيحة. بينما حصل مرشح شبكة الصحفيين السودانيين، (أيمن سنجراب) على (158) صوتاً، ونال مرشح التحالف المهني (ميسرة عيسى سالم) على (101) صوت، وحصلت المرشحة المستقلة (درة قمبو) على (86) صوتاً، و(محي الدين شجر) على (23) صوتاً، و(محمد المصطفى) على (18) صوتاً، و(شيرين أبوبكر) على (4) أصوات.

مر نضال الصحفيين بمراحل عدة بعد حل نقابتهم على يد المخلوع البشير، وتكون عدد من الأجسام الصحفية المعروفة بمقارعتها لديكتاتورية الإخوان في نسختها السودانية المتمثلة في حزب المؤتمر الوطني، منها (شبكة الصحفيين السودانيين)، و(النقابة الشرعية)، وغيرها. وكان لكل هذه الأجسام مواقف مشهودة دفاعاً عن حرية الصحافة التي تفنن نظام الإخوان في انتهاك شروطها، فأقام الصحفيون الوقفات الاحتجاجية والندوات، وأحيوا قيم التضامن بين زملاء المهنة. فامتنعت بعض الصحف عن الصدور في عدد من المعارك والمناسبات، وتم تنفيذ الإضرابات والتضامن مع من ينالهم عسف العسكر الإخواني من الصحفيين، وقدموا الدعم القانوني والإعلامي للمعتقلين، وكان لهم موقفهم الواضح والثابت من قضايا الوطن. لم يقفوا على الحياد، ولا التزموا مقاعد المتفرجين في قضايا المواطن وهمومه، الصغيرة منها والكبيرة.

وشهدت فترة أثناء وما بعد ثورة ديسمبر المجيدة خلافات وانقسامات واستقطابات داخل الوسط الصحفي، قللت كثيراً من أثر ثورة ديسمبر على الكيان، ومن تأثير الكيان في الثورة. إذ سرعان ما تفاقمت الخلافات بين الكيانات الصحفية، بل أثر هذا الشيء على انقسام (تجمع المهنيين) نفسه، في مرحلة من المراحل. ولأن العاقل (طبيب نفسه)، فقد آل الصحفيون على أنفسهم أن يعتمدوا لغة الحوار فيما بينهم للوصول إلى توافق تتمكن القاعدة الصحفية من خلاله من تكوين نقابتها المستقلة الأكثر تعبيراً عنها وعن طموحها وأشواقها، عبر أشهر من الحوار المستمر. فكانت ثمرة كل هذه الجهود هو انتخابات نقابة الصحفيين التي جرت في مناخ من القبول والتنظيم الجيد ليستعيد االصحفيون نقابتهم بعد طول غياب.

تعالت أصوات صحفيي (الفلول) ضد الانتخابات، خاصة أنصار اتحاد الصحفيين الذي سقط بسقوط البشير كونه كان وكراً لجهاز أمن البشير الإعلامي. وهو الجهاز الذي كان مسؤولاً عن استهداف الصحفيين بالشكاوى في نيابة الصحافة، وممارسة الرقابة القبلية على الصحف. فكان الاتحاد مؤسسة أمنية أكثر من كونه اتحاداً نقابياً يعتني بشؤون منسوبيه. وتذرع بعض هؤلاء الفلول باعتراف بعض المؤسسات الصحفية الدولية بالاتحاد، مُتناسين أن العالم كله كان يعترف بالبشير رئيساً حتى سقوطه في الحادي عشر من أبريل (2019). يتغافلون عن حدوث ثورة ديسمبر المجيدة، والتي زلزلت الأرض تحت أقدام الطغاة، ولم ترض غير شعبها حكماً ولا دليلاً. يتحدث هؤلاء وكأن مؤسسات البشير ورموز نظامه الذي سقط تعني شيئاً في سودان اليوم، وينادون بشرعية (متوهمة)، يستمدونها من حالة إنكار الثورة التي أبهرت العالم، وسمع بها القريب والبعيد، لكنها لم تبلغ تصديق الفلول.

بإعلان نقيب ونقابة منتخبة للصحفيين تنفتح كوة ضوء في نفق الانقلاب المظلم عبر توحيد كلمة الصحفيين، ليُساهموا مع قوى الثورة الأخرى في مقاومة الانقلاب، ومحاصرته سعياً لاستعادة الوضع الانتقالي. وتقدم تجربة انتخابات الصحفيين دروساً مستفادة وملهمة في طريق توحيد قوى الثورة، فعلى الرغم من أن اللجوء للانتخابات كان في مرحلة توافق وطني عام هو ظرف الانقلاب الذي تمر به البلاد، إلا أنه أفلح في توحيد الوسط الصحفي عبر التراضي على نتيجة الانتخابات، فصارت نموذجاً مُلهماً للبحث عن التوافق عبر أكثر من طريق.

حفظ الله السودان وشعب السودان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى