الرأي

النظام العام الإيراني

*نفيسة الفاتح

مهسا أميني، شابة إيرانية تبلغ من العمر 22 عاماً، ألقت القبض عليها شرطة الأخلاق، وتم ضربها وسحلها حتى ماتت الأسبوع الماضي. لا لشيء، فقط لأنها -حسب ما رأوا- لا ترتدي الحجاب بالشكل الذي يرضيهم،

أي إنها تلبس الحجاب، لكن ليس بالشكل الذي يرضيهم.

مقتل مهسا أميني ودماؤها التي تصرخ بالظلم أشعلت غضباً عارماً في شوارع ومدن إيران، وأدت إلى موجة من الاحتجاجات الشعبية والحملات الإعلامية ضد قانون الحجاب القسري والنظام الإسلامي.

النساء قمن بخلع حجابهن والتلويح به وسط هتافات باللغة الكردية، أبرزها شعار “ژن ژیان ئازادي”، ويعني (المرأة، الحياة، الحرية).

*فمن هي شرطة الأخلاق الإيرانية إذاً؟!

شرطة الأخلاق الإيرانية هي قوّة تأسّست في عام 2005 لإنفاذ القانون بجمهورية إيران الإسلامية، من خلال اعتقال المخالِفين لقانون اللباس أو الذين يرتدونَ “ملابس غير لائقة”.

ومن الواضح هنا أن شرطة الأخلاق الإيرانية هي ما يعادل الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية، والتي بدورها كانت فيما سبق مكلفة بتطبيق نظام الحسبة المستوحى من الشريعة الإسلامية.

وشرطة الأخلاق والهيئة الاثنتان تعادلان عندنا شرطة النظام العام “سيئة الذكر”.

ما يجمع هذه المؤسسات الثلاث أنها تنتهك أبسط حقوق الإنسان في الحياة بكرامة وحرية، بل تعطي نفسها حق التدخل بشكل سافر في حياته الشخصية دونما خجل أو وازع أخلاقي.

هذه المؤسسات الثلاث تتشابه في أنها جميعها تم استخدامها بغرض كسر وإذلال النساء بشكل خاص، وتطويع المجتمع بشكل عام.

ونحن ما زلنا نذكر الزي الإسلامي أو الزي الشرعي حسبما كان يقول عنه الكيزان، بمواصفاته الفضفاضة التي يطوعونها حسبما شاؤوا ومع من أرداوا.

إن معركة النساء مع الأنظمة الدينية التي ترانا عورة وعاراً، وترى أن وأدنا مشروع في أي لحظة بالاعتقال والقتل والسحل والتشهير. هي معركة قاسية تحتاج للصبر والنفس الطويل، لكننا سنخوضها لآخرها، فنحن مع اختلاف بلداننا، تظل توحدنا مثل هذه المرارات، مثل حادثة مهسا أميني التي صرخ دمها في إيران وأوجع قلوب النساء في كل مكان.

احتجاجا على وفاة الشابة مهسا أميني.. إيرانيات يقصصن شعرهن ويحرقنه

*تطبيق القانون أم تطبيق الشريعة؟!

*فشل سياسات الأنظمة الشمولية ضد النساء

الأنظمة الشمولية مطيتها الأديان لتغطية عورتها، فهي لا تحارب الفقر والجهل وتدعم الصحة والحياة الكريمة للمواطن، بل تنهبه وتسرقه، ثم تخدر عقله بأن يصبر، فإن الفقراء يدخلون الجنة، وأن يصبر فإن إسلام الدولة مستهدف من الكفار، وأن يصبر فما هذه سوى سياسات تقشفية سوف ننهض بعدها، وأن الزهد صفة المؤمن،

ثم لا تكون نهاية صبره هذا سوى الموت لانقضاء أجله، أو القتل عند صراخه بأن الصبر قد نفد.

هذه السلطات الشمولية لا تحتكم إلى قانون تدير به الدولة، الدستور والقانون الذي يحترم حق الدولة وحق المواطنين بتعددهم الثقافي والديني والإثني. بل شرعها وقانونها الترهيب، وتفصيل الفتاوى الدينية التي تبيح لها سرقة الناس وقتلهم دونما عقوبة، ثم تشغل الناس في صغائر الأمور التافهة.

وكنتيجة طبيعية لانتهاكات وقمع هذه المؤسسات الثلاث التي تعمل بمبدأ القسر والوصاية، فإنها فشلت فشلاً ذريعاً في هذه الدول الثلاث.

في السعودية، وبعد تراكمات أحداث شكلت جدلاً اجتماعيًا مايزال عالقاً في ذاكرة المجتمع السعودي حتى الآن، تم تقليص صلاحيات منظومة الهيئة إلى حد كبير.

واحدة من أشهر تلك الأحداث، حادثة حريق مدرسة البنات في مكة المكرمة عام 2002، حيث اتُّهمت الهيئة بالتسبب في زيادة عدد الوفيات في حادثة حريق المدرسة، عندما قاموا بطرد أولياء الأمور والحريق مشتعلاً في المدرسة، وإغلاق الباب على البنات أثناء الحريق وذلك لأنهنّ “لا يرتدين الحجاب”.

وقتها تم اتهام أفراد الهيئة بمنع رجال الإطفاء والإسعاف من الدخول إلى المدرسة لأنه “لا يجوز للفتيات أن ينكشفن أمام غرباء” كونهم ليسوا من المحارم،

فكانت النتيجة زيادة الضحايا مما زاد الانتقاد ضدهم.

وبرغم نفي السلطات السعودية، إلا أن هذا الحادث كان أحد أكثر الحوادث إثارة للجدل المجتمعي، حتى تم مؤخراً تقليص صلاحيات هذه الهيئة واختفاء وجودها الصارخ والقمعي القديم.

وفي إيران، فقد أثبتت شرطة الأخلاق فشلها حتى قال العميد حسين رحيمي، رئيس شرطة طهران الكبرى، في ديسمبر 2017: “إنّ قوة إنفاذ القانون في جمهورية إيران الإسلامية لن تقومَ بنقلِ المخالفين للقيم الإسلاميّة إلى مراكز الاعتقال، كما لن ترفعَ أيّ قضية قانونية بحقهم، ولن تُرسلهم إلى المحكمة، لكنها بدلاً من ذلك ستُقدّم فصولًا تعليمية للمخالفين لإصلاح سلوكهم”.

لكن ها هي تطل بوجهها القبيح مرة أخرى لتتم مواجهتها هذه المرة بشكل لم تشهده إيران من قبل، فقد ثارت النساء الإيرانيات هذه المرة فحرقت بعضهن حجابها، وقصت بعضهن شعرها، في تحدٍ مباشر للسلطة الشمولية ونظام الدولة الأبوي، فهل يستقيم أن تقتل روحاً وتسفك دماً مقابل قطعة قماش؟! وهل رب العباد أمر بهذا أو يرضاه؟! قطعاً لا.

أما هنا في السودان، فمنذ اليوم الأول لانقلاب الكيزان، بدأ نضال النساء ضد نظام الإنقاذ القمعي والمعادي للمرأة تحت غطاء الدين، وكانت الحوادث الفردية مثل (طرحة أميرة) و(بنطلون لبنى)، مروراً بالاحتجاجات الجماعية والتظاهرات المتفرقة حتى قيام ثورة ديسمبر المجيدة والتي تقدمت صفوفها النساء.

هكذا استطعنا كسر الطوق الأمني المضروب حولنا بالترهيب و الاستهداف، وهزمنا -وما زلنا نهزم- النظام العام والمشروع الإسلامي الكيزاني المعادي للنساء والإنسانية كلها، و مازلنا قادرات على التصدي لاقتلاع كامل حقوقنا.

فلتعلم إذاً هذه السلطات التي تختلف مسمياتها وتتشابه سياساتها، أن فرض الوصاية وتفصيل القوانين لإذلال النساء بشكل خاص لن يصبح أمراً واقعاً نرضاه أبداً، وأن وأد النساء لن يكن مدخلاً لبسط سلطة حكم شمولي أو بوابة لدخول طاغية إلى الجنة.

تحيي تعيشي لا مقهورة ولا منهورة

لا خاطر جناك مكسور

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى