الرأي

الميلاد في الشوقيات

وَإِذَا النَّجْمُ الَّذِي رَأَوْهُ فِي الْمَشْرِقِ يَتَقَدَّمُهُمْ حَتَّى جَاءَ وَوَقَفَ فَوْقُ، حَيْثُ كَانَ الصَّبِيُّ. (متى 2: 9)

من خلال ظاهرة غير طبيعية قديما، أرشد نجمة الميلاد حكماء المشرق في الطريق إلى بيت لحم. على صعيد الشرق قديما توقع الكثيرين مجئ شخصية إلهية، بحسب وليم باركلي عن هذا الاعتقاد في الشرق، كتب مؤرخي عصر السيد المسيح أمثال “سوتونيوس” و “تاسيتوس”، وفيرجيل الشاعر الروماني، تحدث عن أيام ذهبية ستحدث في الشرق. وفي عصرنا الحديث تحدث الكثيرين عن ذلك نتائج تلك التوقعات وأثرها في العالم كما ظهر في أشهر شعراء الشرق حديثا: (أحمد شوقي علي أحمد شوقي بك (1868- 1932) أحد أشهر شعراء عصره بحسب عبد الرحمن الرافعي في كتاب “شعراء الوطنية”، بمبايعة من قبل كُتاب القوافي، لقب بأمير الشعراء، لنبوغه وتفوقه في الشعر بمهرجان أقيم له عام عام 1928، وخاطبه الشاعر حافظ إبراهيم فهمي زميله بقوله: أميرَ القوافي قد أتيت مبايعاَ…وهذي وفود الشعر قد بايعت معي. لشوقي العديد من الأعمال الأدبية، كتب مسرحيات شعرية ونثرية، عن أشهر القصص الرومانسية، مثل مجنون ليلى، عنترة، كليوباترا، والعديد من القصائد الوطنية. في الدين مدح وكتب قصائد كثيرة. بما أن أحمد شوقي خليط في نسبه من كردي يوناني عربي بالطبع تركي، تربيته في قصر السلطان أضاف فيه جزء من الروح التركية، التي تمتزج فيها البعد الاوربي الأسوي، أي الشرقي والغربي. فكما وصفه الصحفي حسنين هيكل في مقدمة الطبعة الأولى من “كتاب شوقيات”، بأن في أحمد شوقي روحان أو صورتان، إذ تفيض منه متاع العيش ونور الإيمان، الحضارة العربية، والحياة الغربية الخاضعة لحكم العلم، كل هذه خرج في إطار شخصية مصرية التي هي بدورها مجتمع ملتقي أفريقي أوربي أسوي، هذا التنوع ظهر في قصيدته التي تعتبر ملحمة شعرية بعنوان ” كبار الحوادث في وادي النيل”، (كتاب الشوقيات الذي صدر في عام 1926)، التي تلاها في المؤتمر الشرقي الدولي، المنعقد في مدينة جنيف سبتمبر 1894، ممثلا للحكومة المصرية أنذاك. في هذه القصيدة تجده يروي الأخبار ويؤرخ الأحداث ويصف الأمكنة، بالإضافة لإحياء الشخصيات منها إحياء ذكرى الميلاد الذي مدح فيه السيد المسيح ويوم مولده، وجزء يسير عن حياته، إليك القصيدة من كتاب الشوقيات:

أمير الشعراء شوقي

وُلـــد الرِّفــــقُ يـــومَ مولــــدِ عيــسى *** والمــروءاتُ والهُــــــدى والحـيــــاءُ
وازدهى الكـــون بالوليــــد وضــاءَت *** بســنــاه مِـن الـثـــــــرى الأرجـــــــاء
وسـرت آيــــةُ المسيــح كمــا يســري *** من الفجــــر في الوجـــــود الضـــياء
مـــــلأ الأرض والعـوالـــــــمَ نــــــورا *** فالـثـــــرى مائــــــجُ بــها وضَّـــــــاء

لا وعـيـــــدٌ، لا صــــولةٌ، لا انتـقــــامٌ *** لا حـســـامٌ، لا غــــــزوة، لا دمــــــاءُ
ملـــِـــكٌ جــــــاور التـــــراب، فـلمــــا *** مـَـــلَّ، نابــَـت عن التـــراب الســـماءُ

وأطـاعـتــــه في الإلــــــــه شـيـــــوخٌ *** خـُشــَّـــعٌ، خـُضـَّـــعٌ لــه، ضعـفـــــاء
أذعَــــنَ النـــاس والملـــــوك إلى مــا *** رسـمــوا، والعـقــــــول والعـقــــــلاء
فـلـــــهم وقـفـــــــةٌ عـــلى كــل أرض *** وعـــلى كــــل شـــــــاطئ إرســـــــاء

دخلــــوا ثـيـــــــبةً فأحســـن لُقـيـــــــا *** هـــم رجـــــــالٌ بثـيـــــــبةٍ حـُكــَــماء
فهِمـوا الســرَّ حيـن ذاقُـــوا، وسـهــلٌ *** أن ينــــــالُ الحـقـائــــــق الفـُهــَـــماء
فــإذا الهيــــــكل المقــــــدَّس دَيـْــــــرٌ *** وإذا الـدَّيـْـــــــر رَونـــــــقٌ وبهــــــاء
وإذا ثـيبـــــــــةٌ لعيــــــسى ومنفـيــــــ *** ــــسُ ونيــــــل الـثــــراء والبطحـــاء
إنمــــا الأرض والـفضــــــاء لـــــربِّي *** وملــــــوكُ الحقـيـــــــقة الأنبـيـــــــاء
لهــمُ الحـــــبُّ خالصـــا من رعــــــايا *** هــم، وكــلُّ الهــــوى لهـم والــــولاءُ
إنمــــا يُنــْـــكـِرُ الـديانــــــات قـــــــومٌ *** هــــم بمـــا يُنكِـــــــرونـه أشـــقـيــــــاءُ
هرِمَت دولةُ القياصر والــــــــدَّولاتُ *** كالنـــاس داؤهُـــــــــــــــنَّ الفنــــــــــــــاءُ
ليس تُـغنـِــــي عنها البلادُ ولا مالُ *** الأقــــاليــم إن أتـــاهـــــا الــنـــــــــــداءُ
نالَ روما ما نالَ من قبــــــلُ أثيــــنا *** وَسِيــــمــتــه ثـــيــبــةُ الــعَـــصــــمـاءُ
سُـــنَّـةُ الله في المـمـالك من قبـــــــلُ *** ومِــــن بعــــدُ مــا لِــنُعـــمى بـــقــــاءُ
قال الآب غريغوريوس الكبير: “كان من اللائق أن كائنًا عاقلًا، يخبر هؤلاء الذين استخدموا عقولهم في معرفة الله، أمّا الأمم فإذ لم يعرفوا أن يستخدموا عقولهم في معرفته، لم يقدهم الصوت الملائكي بل العلاّمة (النجم)”. كان ذلك حقا في عصور ما قبل ميلاد السيد، أما بعده فحيرة أحداث الميلاد، أضاءت بنجمها على العقول، لتعكس اضاءات متجددة في كل عام لذكرى الميلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى